فلسطنة سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تنفك الثورة السورية تنال، منذ انطلاقتها قبل 17 شهراً، مزيداً من التأييد في مختلف أنحاء العالم، وخاصة العربي والإسلامي.

 لكن المشكلة، رغم ذلك، تكمن في المخاوف من تحول الثورة إلى مرثية أو بكائية، يذوب جوهرها تدريجياً إلى أن ينتهي إلى ما انتهت إليه القضية الفلسطينية، تنال قدراً من عطف شعوب الدول العربية والإسلامية وحكوماتها، يترجم مبادرات إغاثة للنازحين ومخيمات لحصرهم فيها، تترافق دوماً مع عبارات رنانة وبيانات طنانة عن وجوب رفع الحيف عن السوريين، وضرورة دعم قضيتهم العادلة ونصرتهم، فضلاً عن تسليط الضوء بشكلٍ مكثف على المآسي بطريقة درامية تساعد المعارضة السورية على تعزيزها من خلال خطاب خشبي إصرار رموزها على «الترحم على الشهداء» في بداية كل حديث إعلامي.

كما يخشى، والحال كذلك، مسخ قضية السوريين العادلة إلى «طقوسيات» باتت ماثلة للعيان في ظاهرة انتشار أعلام الاستقلال السورية والمنشورات وربطات اليد ودبابيس الزينة والرايات المزدانة بشعارات الثورة وأعلامها في المتاجر، على نسق الكوفية الفلسطينية التي أضحت المذكّر اليتيم بوجود فلسطين.

وتكمن أوجه الشبه أيضاً في الدعم الشعبي العربي والإسلامي في ضفة، والصمتين الرسمي العربي والدولي في الضفة الأخرى، وتصدر مشاهد الدم والمجازر شاشات التلفاز ونشرات الأخبار ليعتاد المتابع على مناظر القتل في ما يشبه «تطبيعاً» من نوعٍ آخر.

أما في الداخل، فإن نواحي التطابق تتمثل في استراتيجية النظامين السوري والإسرائيلي لكسب الصراع، من حيث اتباع سياسة الأرض المحروقة والمجازر والتهجير واستهداف المقدسات، لمحو أي خطوط حمراء، وإفراغ المناطق من سكانها لتغيير التركيبة الديمغرافية وتحويل الأنظار إلى دول الجوار بإلهائها بجيوش اللاجئين.

وإن كانت القضية الفلسطينية اختبرت عشرات «الفيتوهات» الأميركية على مدى ستة عقود، فإن للسوريين الحق أيضاً في الادعاء بالتفوق على أشقائهم، بعدما تعرضت قضيتهم إلى «فيتو» مزدوج روسي صيني تكرر ثلاث مرات في أقل من عام، وهو رقم قياسي أممي نالت حظوته موسكو وبكين، اللتان بزتا الغرب في دعم الجانب المخطئ، حيث جرت العادة على تحمل الولايات المتحدة وحدها وزر حق النقض ضد مشاريع قرار دولية في مجلس الأمن تتعلق بالقضية الفلسطينية دون أن ترى حليفتيها بريطانيا وفرنسا حاجةً لكي تغمس أيديهما في دم الفلسطينيين.

ولا ينسى المرء الكم الهائل من المبادرات واللجان ومؤتمرات الدعم والقمم التي طفحت بها قضيتا الشعبين الفلسطيني والسوري لكي يصل إلى استنتاجٍ مفاده أنه إن أريد إطفاء مسألة ما، فيتوجب إغراقها باللجان والمبعوثين والمؤتمرات.

إن التركة الثقيلة التي سيخلفها نظام الأسد في نفوس وعقول السوريين ووعيهم الجمعي تحتاج إلى أعوام طويلة للتخلص منها بهدف إعادة تشكيل المجتمع السوري، وهو ترف قد لا يطيق السوريون صبراً لتحقيقه.

وعليه، وإن كان حل الدولتين نتيجةً حتمية لحل القضية الفلسطينية، رغم كل العراقيل، فإنه يبدو أمراً لا مفر منه في سوريا أكثر منه في فلسطين، لأن مفهموم «إسراطين»، الذي بشر به عقيد ليبيا المقتول، لم يعد مقبولاً في سوريا الثورة، وهو العنصر الإيجابي الوحيد في خيار فَلَسْطَنة سوريا.

Email