نظرة في موسم الدراما

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يُستَجب لدعواتٍ أُطلقت غير مرةٍ إِلى استحداثِ موسمٍ ثانٍ للمسلسلات التلفزيونية العربية الجديدة، فلا تكتظَّ في شهر رمضان الذي بقي موعداً سنوياً لها، ولعلّها حساباتٌ تسويقيةٌ وإِعلانيةٌ فرضت صمود موسمِه وحيداً. وما صار يتأكد أَنَّ صناعة الدراما التلفزيونية وتقديمَ منتوجها في التظاهرة الرمضانية صناعةٌ ثقيلة، لها اقتصادياتُها القادرةُ على حمايةِ نفسِها من عوارض الركود والتراجع التقليديَّيْن.

وهذه الإنتاجيةُ المصريةُ تتعافى في الموسمِ الجاري بزخمٍ كبيرٍ، بعد ارتباك العام الماضي جرّاءَ المستجداتِ السياسيةِ. وإِذ يزيدُ المنتوجُ الراهن على 60 مسلسلاً بكلفةِ 180 مليار جنيه، فذلك يعني أَنَّ هذه الصناعة الثقيلة تراهن على مردودٍ ماليٍ مجزٍ.

ولمّا جاز وصفُ معلقٍ رأى في الأَمر "شرهاً إِنتاجياً"، فذلك لا يضيرُ المندفعين في هذا الشَّره من مشتغلين في هذه الصناعة التي تُذكِّر بالسينما المصرية، لما كانت في ستينيات القرن الماضي وبعض سبعينيّاته مصدراً مهماً للدخل القومي المصري. ولا شطط في القول، هنا، إِنَّ في وسع الدراما المصرية أَنْ تُيسِّر دخلاً يُحسَب حسابُه لمصر والمصريين، سيّما وأَنَّ آلاف الآلاف يشتغلون فيها.

كأَنَّ من وظائف المسلسلات في رمضان أَنْ تُريح النظّارة، بعض الوقت، من ثرثراتِ البرامج الحوارية السياسية، والتي بات الضجر منها ثقيلًا، في مصر وغيرها. ويُفترضُ، بداهةً، أَنْ تكون من وظائِفها، أَيضاً، المتعةُ والتسليةُ والترفيه، برقيٍّ ما أَمكن، وباحترام الذائقة والعقل معاً، أَي بالوفاء لقيمٍ جماليةٍ معلومةٍ في فنون التشخيص والسرد البصري.

وهي قيمٌ تتصل بما هو واقعيّ وتخييليّ طبعاً. ولا تعالم، هنا، في التأشير إِلى البديهية إِياها، عن سطوةِ التلفزيون ونفوذِه، سيما إِذا استنجدت مسلسلاتُه (وبرامجُه أَحيانا) بنجومٍ ذوي شعبيةٍ وأَصحاب حضورٍ شاسعٍ في الفرجة، السينمائية والمسرحية والتلفزيونية.

وهذا عادل إِمام إِذ يحتلُّ مسلسله "فرقة ناجي عطا الله" شاشاتِ عدة فضائياتٍ، فذلك لما يحوزُه من جماهيريةٍ كاسحة، على الرغم من مواقفه السياسية إِياها، ومن نمطيّة فهلواته التي يتمُّ "تزبيطُها" في السيناريو والإخراج من أَجله. وإِذا صحَّ أن عمله هذا، وهو من إِخراج نجله (!)، كلف 70 مليون جنيه، بينها 30 مليونا أُجرتُه، فذلك مما يعني أَنَّ منتجيه على ثقةٍ بأن تسويقَه مضمون ومأمون، بدليل وفرةِ الإعلانات أَثناءِ بثه، وغالبُها استهلاكيةٌ لا تُؤشِّر إِلى عافيةٍ اجتماعيةٍ وتخطيطٍ إنتاجيٍّ صائب.

أَبعدت الجائحةُ الراهنةُ في سوريا ذلك الحديث عن منافسةِ الإنتاج الدرامي السوري شقيقَه المصري، وهذه عيونُنا تتجول بين عوالم وفضاءاتِ مسلسلاتٍ كثيرة، لكنها تروحُ وتجيء على مسلسل المقتلة الساخنة هناك، وفي البال أَن سوريا تتوفر على إِمكاناتٍ هائلةٍ في سويَّةٍ رفيعةٍ من الإنتاج الدرامي التلفزيوني الرائق، لكنها المحنةُ التي لن تطول تأخذ هذا الإنتاج إِلى الخلف، بانتظار أَنْ يستعيد مطرحه قريباً، فتحافظ الدراما العربية على تآخي الخليجي والمصري والسوري في تنويعها الذي نحب.

Email