بعد الانتخابات في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لن يصوغَ "المؤتمر الوطني" الذي انتخبَه الليبيون دستورَ بلادِهم، في جمهوريّتها الأولى، بحسب التسميةِ الأنسب لمرحلة ليبيا بعد معمر القذافي، إذ قبل يومين من الانتخابات، قرَّر المجلس الانتقالي، قيد الحل، أَنَّ انتخاباتٍ منفصلةً ستفرز المجموعة التي ستصوغ الدستور، ما يعني أَن مهماتِ المجلس المستجد ستتعلق بإِدارةِ الدولةِ وتسييرها، بعد أن تتبيَّن حكومةٌ تعكس تفاصيله.

ويجوز، هنا، تثمين الخطوة، إِذا تعزَّزت معاييرُ خاصة لأَعضاءِ جمعية الدستور، يتوافق عليها "المؤتمر الوطني" المتوقع أَنْ يصوعَ قانونَ انتخابٍ آخر، يتمُّ بموجبِه الاقتراع لانتخابِ برلمانٍ كامل، يرثُ المجلس الذي فاجأ الليبيون أَنفسَهم، فأفرحونا، في عملية انتخابِه، سيّما وقد رأَينا في أَثنائها طوابير الليبيات، وبينهن صبايا يتطلعن ببهجةٍ إِلى المساهمة في بناءِ بلدهن، وكنّا في زمن القذافي لا نلحظ المرأَة الليبية في غير المسلحاتِ اللواتي يحرسنه، أَو اللواتي تستدعيهن أَجهزته للتصفيق له في الشوارع، وفي قاعات الاستماعِ إِلى بلاهاته.

ثمة إِفادةٌ من الانشغال بتحليل مكونات "المؤتمر الوطني"، وبتركيبةِ الحكومة التي ستنبثق عنه، لكن الأَهم، ربما، في الانتباه إِلى مشهدِ الانتخابات نفسِها، وقد جرت في بلدِ تشاهدُ أغلبيةُ ناسِه إلى صناديق التصويت أَول مرة، سيما وأَن القانون الذي انتظمت فيه هذه العملية يضمنُ، إِلى حدٍّ كبير، عبور مختلفِ التنويعاتِ والحساسياتِ السياسية والجهوية، إِلى قاعة البرلمان التأسيسي المنتظر، ويحول دون هيمنةِ تكوين معينٍ على الفضاء العام.

ذلك أَنَّ 80 مقعداً للقوائم الحزبية و120 مقعداً فردياً، من شأنها أَنْ تُؤثّثَ منسوباً طيباً من المشاركةِ الوطنيةِ الأَوسع، في عمليةِ الانتقال الديمقراطي، المنظور إِليها باعتبارِها الاختبار الحقيقيَّ للنخبة الليبيةِ في أَخذ بلدِهم إِلى طور الشرعية الدستوريةِ ودولةِ القانون، والعدالة في التمتع بالثروات، وفي تعزيز ثقافة تتخفَّفُ من الولاءاتِ القبليةِ والعصبويةِ لصالحِ المواطنة الحقة، والتخلص من هذه السيولة الميليشاوية والثورية.

وحتى لا يكون هذا الكلام إِنشاءً مسترسلا، يبقى تحقيق الاستقرار الأَمني والسياسي تحت مظلةِ دولةٍ عادلةٍ قويةٍ، أَحد أَهم التحديات الكبرى أَمام حكام ليبيا الجدد.

لم يعد من الأَخلاق أَن يبقى أَصحاب الثرثرةِ إِياها عن الناتو وثواره في ليبيا، على رطانتِهم تلك.

ببساطةٍ، لأَن النخبة الليبية نجحت في التجربةِ الانتخابيةِ الأولى، في التأشير إِلى معالمَ مطمئنةٍ على الأَغلب، سيما وفي البال أَنه لم يتم التعامل مع المعترضين على توزيع المقاعد من سكان المنطقة الشرقية، برعونةٍ وذهنية أَمنيةٍ، بل باعتبارِهم أَصحابَ رأي.

ولأَنَّه ليس لدى الليبيين وقتٌ يصرفونه إِلى الرد على أولئك، فالأَوجبُ والأَهم أَن يتم إِسنادهم عربياً بالخبرات والاستشارات والإمكانات التي تساعدُهم على التحرّر من تركة القذافي الثقيلة، ومن ثقافةِ التجرؤ على المؤسسات والدولةِ.

هذا المطلوبُ عربياً، وليس القعود عند الكلام التافه إِياه، عن الناتو الذي حرَّر ليبيا، وعن نفط هذا البلد قيدِ النهب، وعن تحكّم "القاعديين" والسلفيين فيه.

Email