مصر وسوريا مع مرسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس أَمراً بلا دلالةٍ أَنَّ بشار الأسد لم يبعث برقيةَ تهنئةٍ إِلى الرئيس المصري محمد مرسي. لا يعود هذا إِلى انتساب مرسي إِلى جماعة الإخوان المسلمين، والتي لم تلغ "إِصلاحات؟" الأَسد الأَخيرة قانوناً يقضي بإِعدام كل سوريٍّ يثبت انتسابُه إِليها، بل يعود، على الأَرجح، إِلى شعورٍ موحشٍ تُغالبُه السلطةُ في دمشق جرّاء عزلتها في ما لا تتوقَّف عن اقترافِه ضد شعبها الجريح.

وكم بدا ملفتا أَنَّ المتحدث باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، اضطرَّ إِلى الإجابة التقليديةِ على سؤال، في مؤتمرٍ صحفيٍ، بشأن موقف بلادِه من رئاسة مرسي، حين قال إنها تحترمُ خيار الشعب المصري.

بعيداً عن هذا الكلام وعن البرقية الغائبة، أَو قريباً منهما ربما، كانت مصادفةً طيِّبةً أَنْ تتعلق بسوريا أولى إِطلالات الرئيس المصري الجديد في شؤون السياسة الخارجية، في الكلمةِ بالغة الأَهمية باسمِه، والتي أَلقاها الوزير محمد كامل عمرو، في افتتاح مؤتمر المعارضةِ السورية في القاهرة. ولأَنها ليست كلمةً مجاملاتٍ ترحيبيةٍ معهودة، يصيرُ مهمّاً أَنْ تُقرأ جيداً، إِذ تُؤشر إِلى اندفاعةٍ مرتقبةٍ.

ومطلوبةٍ أَساساً، من مصر باتجاه الموضوع السوري، أَو، على الأصح، باتجاه الشعب السوري، المجاهد كما وصفَه مرسي محقّاً. وكان الرئيس في خطابِه، في جامعة القاهرة بعد تنصيبِه، قد جاءَ على هذا الموضوع، ملحّاً على وجوبِ وقفِ حمام الدم في سوريا، وأَلمحَ إِلى جهود سيبذُلها بلدُه في هذا.

قال مرسي في كلمتِه، الاثنين الماضي، إِنَّ وقفةَ الشعب المصري إِلى جانب شقيقِه السوري واجبٌ، وليس فقط مسأَلة أَمن قومي، وإِن هذا الشعب يناضلُ ببسالةٍ مبهرة، ويدفعُ الثمن في مواجهةِ آلةِ قمعٍ لا تستثني طفلاً ولا امرأَة. وقال إِن وحدة سوريا خط أَحمر لا يقبل المساومة، ودعا إِلى تجنيب هذا البلد العربي التقسيمَ والتدخل الخارجي.

وأَكد على حلٌّ سياسيٌّ يُؤسس لمصالحةٍ وطنيةٍ حقيقية. ليس في هذه العبارات، وفي عمومِ الكلمة الرئاسية، موقفٌ حزبيٌّ مضمرٌ مسبقاً، كما ادّعت صحيفة "البعث" الدمشقية، والتي بدا وصفُها الكلمةَ بأَنها "خطابٌ أيديولوجي". وإِذا كان من فائدةٍ في ما ذكرته الصحيفةُ المذكورة، فهي في تدليلِه على غضبٍ غير هيِّنٍ لدى السلطة في دمشق مما تستشعرُه من المستجد المصري.

ربما استطابت دمشق البرودَ الذي كانت عليه القاهرة في الشهور الماضية، إذ لا يتذكر المراقبُ موقفاً قوياً أَو تصريحاً لافتاً باسم رئيس المجلس العسكري، أَو جهرت به رئاسة الحكومة، أَو أَشهره وزير الخارجية، بشأن نجيع الدم الذي يتواصل في سوريا. وكان واضحاً جمودُ الأَداءِ السياسي المصري، دولياً وإقليمياً، في الملف السوري الملتهب.

ونظنُّها، كلمة الرئيس محمد مرسي التي استمع إليها المعارضون السوريون، تجعلنا ننتظرُ دوراً للقاهرة يليقُ بمكانتِها المؤكدة، وصوتاً مصرياً أَعلى وأَصوب، وهذه دمشق تتحسَّس الأمر، وها نحن بدأنا ننتظر.

 

Email