«سوسيا».. قصة كفاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

«سوسيا» قريةٌ فلسطينيةٌ في محافظة الخليل، عدد سكانها 350 نسمة، بيوتُها ومرافقُها نحو 60. هنا دعوةٌ إِلى تذكُّرها، ليس فقط لأَنّها مهملةٌ في الإعلام، بل لأَنَّ ناسَها يخوضون منذ سنوات كفاحاً مضنياً ضد حربٍ إِسرائيليةٍ تستهدفُها، بدأَت في 1982 لمّا استولت سلطاتُ الاحتلال على مساحةٍ واسعةٍ منها، أَقامت فيها مستوطنة، وفي 1986 هدمَها الجيش الإسرائيلي، وكانت بيوتُها من صفيحٍ وخيام.

لجأَ بعض أَهاليها إِلى قرى مجاورة، وأَقام عددٌ آخر في تلالٍ قريبة وكهوفٍ وبيوتٍ متنقلة، فقامت سوسيا من جديد. تواصل استهدافُ القرية وأَهلها، بهدم خيامِهم وطردِهم ومصادرةِ أَرضهم، غير أَنهم كانوا يعيدون بناءَ كل خيمةٍ وبيتٍ يتمُّ هدمه. في 2001 أَصدَرت سلطات الاحتلال قراراً بهدم جميع بيوت القرية، غير أَنَّ محامياً إِسرائيلياً نجحَ في استصدار قرارٍ من المحكمةِ بتجميد القرار، إِلى حين البحثِ عن بدائل أُخرى للسكان.

وفي الأَثناء، أَوكل الأَهالي محامين إِسرائيليين لحمايةِ بيوتهم وترخيصِها، ونشطت جمعيةٌ استيطانية، العام الجاري، من أَجل تنفيذ القرار، فتقدَّمت بالتماسٍ إِلى محكمة العدل الإسرائيلية العليا، تطالبها فيها بالعمل على إِزالة القرية، بزعم أَنها "بؤرةٌ استيطانية فلسطينية"، وسوَّغت الالتماسَ بدواعٍ أَمنية.

تسلَّم أَهالي سوسيا، قبل أَيام، إِخطاراتِ هدمٍ نهائيةٍ من السلطاتِ الإسرائيليةِ، تشملُ البيوتَ والمدرسةَ والعيادةَ والمركز الاجتماعيَّ ومنشأَة توليد الطاقة الشمسية في القرية. ويعتزمون الاعتراضَ على القرار لدى الإدارة المدنية الإسرائيلية، ثم إِلى محكمة العدل العليا.

ومن جديدِ هذه المعركة التي يُناضلُ فيها أَهالي سوسيا بدأْبٍ صبورٍ وروحٍ كفاحيةٍ عالية، أَنَّ رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، زار القرية، برفقةِ ممثل الاتحاد الأوروبي في القدس، جون جات روتر، ومسؤولين فلسطينيين، وممثلي بعثاتٍ دبلوماسية، وخاطب الأَهالي متعهداً بالوقوفِ معهم، لمنعِ تنفيذ قرار إِزالة القريةِ "بشتى الوسائل". وقال "أَبناءُ شعبنا الفلسطينيِّ يعرفون كيف يدافعون عن أَرضهم، وعن حقِّهم في البقاءِ عليها".

تُسردُ تفاصيل قضية سوسيا هنا، ليس فقط حمايةً لاسم هذه القريةِ من النسيان، وهي المتروكةُ للذئبِ الإسرائيلي، بل، أَيضاً، لأَنها توجِز بعضَ الجاري في فلسطين، حيث نهبُ الأرض والاستيطان لا تفتر همّةُ أَيٍّ منهما، وحيثُ فصائل الكفاح الفلسطيني منشغلةٌ بملهاةِ المصالحة إِياها، والمؤسسةُ السياسيةُ الرسمية مهمومةٌ بقصصٍ أُخرى، ليست سوسيا منها. وهنا، يُحسب للدكتور سلام فياض.

والمحسوب من "حماس" وغيرِها على أَهل التفريطِ والتنازلات، أَن هذه القريةِ في بالِه، وأَنّه يُخبرُ أَهاليها، بحضور دبلوماسيين أوروبيين، أَنَّ حكومته ستُوفِّر الدعمَ الماليَّ لتوظيفِ محامين للدفاع عن قريتِهم، وستعدُّ مخططاً هيكلياً لذلك، وستُموِّل الوكالاتِ القانونية.

ويمكنُ الإفادةُ من هذه الصيغةِ الكفاحيةِ، أَنَّ طرائق الدفاع عن الأَرض في فلسطين في مواجهةِ آلة النهبِ الإسرائيلية عديدة، إِلا أَنه ليس منها القعودُ عند الكلام النضالي المسترسل إِياه، والذي لا ينفع سوسيا وغيرِها، ولا تكترثُ به إِسرائيل وغيرُها.

Email