العرب وفرنسا وغارودي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم ينفِ روجيه غارودي أَنَّ مجازرَ وقعت لليهود في حقبةِ النازيّة في أَلمانيا، لكنه تقصّى في بحثٍ تاريخيٍّ في مراجعَ ووثائقَ ومظانَّ علمية، وانتهى إِلى أَن عدد الضحايا منهم لا يصلُ إِلى ستة ملايين، الشائع والمبالغ فيه. ونفى زعمَ إِسرائيل أَن اليهودَ وحدَهم من عرَّضهم هتلر للنفي والإبعاد، وانتقد مصطلح االهولوكوستب الذي روَّجته الصهيونيةُ.

ورآه كلمةً لها معنىً لاهوتي، يفيدُ معنى التضحيةِ من أَجل الله، ما يعنى الادعاءَ بأَنَّ أولئك اليهودَ القتلى فوق الجميع. هذا موجزٌ عجولٌ لكتاب االأَساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، والذي نشرَه غارودي في 1996، واستقبلناه، نحن العرب، باحتفاليةٍ وغبطةٍ كبيرتين، دلَّ عليهما، مثلاً، أَن دور نشرٍ عربية ارتجلت ترجمات له، بعضُها شديدُ الرداءَة.

ومن دون درايةِ المؤلف الذي أَبدى انزعاجاً، طفيفاً كما بدا، من انعدامِ احترام العرب حقوقَ المؤلف، كما عبَّر عن ذلك في واحدٍ من حواراتٍ معه، أَجراها الزميل شاكر نوري، وضمّها في كتاب اهذه وصيتي للقرن 21»، أَصدرَه في 2007، وضمَّنه وقائعَ جلسات محاكمةِ غارودي في باريس، كما انفردَ بتسجيلِها. ومعلومٌ أََنها محاكمةَ تمَّت له جرّاءَ دعوى أَقامتها عليه منظمةٌ صهيونية، بذريعة نفيِه وجود غرفِ الغاز النازية، وبموجبِ قانون فرنسي تمَّ تغريمُه 50 ألف دولار.

استعادت الصحافاتُ العربية، وكذا الفرنسية، واقعة ذلك الكتاب، الأُسبوع الماضي، عند وفاةِ صاحبه عن 98 عاماً. وفيما بدوْنا نُجدِّدُ تعاطفنا الذي محضناه الرجل قبل 16 عاماً، اكتفت الوموندب و"ليبراسيونب و"الفيغاروب بوصفِ غارودي مشكِّكاً بالهولوكوست.

وضنّت عليه بصفتِه مفكراً، استمراراً في حربٍ ثقافيةٍ وإعلامية ضده ظلت تستهدفُه في بلادِه، منذ ندَّد، مع رجليْ دين، في بيانٍ بإسرائيل وغزوِها لبنان صيف 1982، مروراً بإشهاره إسلامَه ذلك العام، ثم كتاباته المتوالية ضد الصهيونية وإِسرائيل، والمنتقدة الهيمنة الأميركية.

والمنشغلة بالإسلام وحضارته، حتى إِذا جدَّت حكاية االهولوكستب تلك، صارت الحربُ أَمضى، وتبدّت مثلاً في رفض دور نشر فرنسيةٍ غير قليلة إِصدار كتبه، وهي التي كانت تحتفي بقديمها، إِبّان شيوعيّة صاحبها واشتراكيته، وانشغالاتِه بهيغل وماركس.

وفيما يخصُّنا، نحن العرب، لا تزيَّد في رميِ احتفالِنا بذلك الكتاب بالكاريكاتوريّة، إِذ لسنا معنيين بمسألةِ حرقِ النازية يهوداً بالملايين أَو بالآلاف، بل بتوظيفِ إِسرائيل الاستثماريِّ تلك المقتلة لاحتلال فلسطين والاستيطان فيها، ونظنٌّنا معنيين بخطابٍ أَصوَب، يذهبُ إِلى أَنَّ اضطهاد اليهود في زمن النازية، وهذا حقيقيٌّ، لا يُسوِّغ محرقةَ إِسرائيل وجرائمَها بحقِّ الفلسطينيين.

تحضرُ الكاريكاتورية، أَيضاً، في تغييبِ صحافاتِنا وأَوساطنا الثقافية والأَكاديمية كتب غارودي الأَهم، ومنها االإرهاب الغربيب و"المسجد في الإسلامب و"وعود الإسلامب و"فلسطين مهد الرسالاتب و"الإسلام وأزمة الغربب و"من أَجل حوار الحضارات". لا تنويهَ بأَهميتها، ولا نقاش في مضامينها. هذا بعضُ ما ارتكبناه، نحن العرب محبو غارودي، ضده، جهلاً، وليس كما خصومُه وكارهوه، عمداً.

 

Email