أيام سورية في الدوحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يملكُ الشاعر غير كلماته العزلاء، وليس لدى المسرحيِّ والسينمائيِّ غير مشهديَّته على الخشبةِ والشاشة، ولا شيءَ مع الرسام غير ريشتِه وأَلوانه، وللمغني صوتُه، وللموسيقيِّ أَصابعُه وأَوتاره.

 هي ليست أَسلحةً تُواجه عدوانَ رصاصٍ، أَو تصدُّ غارةَ شبيحةٍ. احتلنا هذا الشعورُ ثمانيةَ أَيام، نحن ضيوف التظاهرة البديعة «وطن يتفتح في الحرية» في الدوحة، والتي حضرت فيها سوريا، فنوناً وإِبداعات، وشعباً أَشواقُه حرّى إِلى الحريّة، وبلداً عظيماً وخالداً، وثورةً صمودُ ناسِها وجسارتُهم صوفيٌّ وباهر. غنَّت أَصالة لبلدِها، وغنّى علي الحجار لكل العرب، وغنّى المغربي رشيد غلام وأَبدع.

وكذا الفلسطينية سناء موسى، والتونسية درصاف حمداني. واستمعنا إِلى موسيقى نصير شمة، وإِلى عامية أَحمد فؤاد نجم البهية، وإلى صيحةِ أحمد قعبور «أُناديكم وأَشدُّ على أَياديكم»، بعدما رمى سؤالَه الجارح عن الفرق بين قاتليْ حمزة الخطيب ومحمد الدرة، وبين مذبحتي الحولة وقانا.

استسلمنا إِلى سميح شقير، لمّا غنّى «يا حيف». وتعرّفنا على أَصوات شباب سوريين يُغنون للثورة، وصفي المعصراني ويحيى حوّا وتيسير غليون وخاطر ضوا، سمعنا منهم «يا سوريا لا تبكي» و«تأَخرنا عليك يا حماة» و«جنة جنة يا وطنا» و«يامو» و«الحر قال سوريا»، وغيرها.

انتظمت تظاهرةُ الدوحة التي أَدهشت جمهورَها وزوّارها وضيوفَها بتنوِّع فعالياتها الغنية، بإِشراف الكاتب السوري، حكم البابا، وبإعداده المتقن، وبضيافةِ وزارة الثقافة القطرية، وعونِ فريقٍ كبير، ضمَّ، إِلى الزميلتين إِيلاف ياسين وعلا شمس، جنوداً مجهولين كثيرين. ويسَّر جهدُهم حشد نحو مئة كاتب وفنان سوري وعربي، للاحتفاءِ بإبداعات سورية، منحازةٍ إِلى الكرامة والحرية، العنوانين الأَبرزين للثورة السورية التي لا يرميها النظامُ بالرصاص والسكاكين فقط، بل بالتشنيع البائس عليها، يُؤازرُه في ذلك عميٌ غير قليلين، لا يحفلونَ بنجيع الدم السوري، في همَّتهم إِياها في التصدّي للمؤامراتِ الموهومة إِياها.

لم يأْتِ أَيٌّ منهم إِلى خواطرنا، ونحن نستمتع بكوميديا التوأمين محمد وأحمد ملص، ونتلقف مفردات الحياة المتعبة من فرطِ الدم فيها، في مسرحة وليد قوتلي قصيدةَ نوري الجراح «الأَيام السبعة للوقت»، ونحنُ نسمعُ قصائدَ فرج بيرقدار ولينا الطيبي ورشا عمران وحسّان عزت وحسين الشيخ وحسام الدين محمد.

ونحن نشاهد أَفلاماً للراحل عمر أَميرلاي، و«الليل الطويل» لحاتم علي، ونحن نُنصتُ لإيقاعات الفلسطيني منعم عدوان وقراءات حلا عمران، ونحن نسمعُ زكريا تامر يقول، في كلمةٍ باسمنا، إِن النظام السوري يُحاول في مجازره تأجيلَ نهايته التي لا مفرَّ منها، ونحن نتجوَّل أَمام لوحات بهرام حاجو وإِسماعيل الرفاعي وسهير السباعي وماهر البارودي وزملائهم.

كنا، نحن الضيوف العرب في الاحتفالية، سوريين، ومنّا المصري نور الشريف واللبناني هاني فحص والفلسطيني محمود الريماوي والكويتي طالب الرفاعي. أَخذنا السوريون فيها إِلى ما يُضيء في أَثناء محنتهم الراهنة. كان معنا، أَيضاً، نزار قباني ومحمد الماغوط وممدوح عدوان وسعد الله ونوس وفاتح المدرس، وكل كتاب الحرية وفنانيها في العالم.

 

Email