لإنصاف عمرو موسى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُمكنُ لأَصدقائنا المصريين من ناقدي عمرو موسى، وممن لم يُحبِّذوه رئيساً لبلدِهم، أَنْ يقولوا فيه أَشياءَ كثيرة، إِلا نسبتِه إلى ما سموها "فلول" النظام السابق، ليس، فقط، لأَنه تبيَّن في الانتخاباتِ الرئاسية أَنّ لوبيات تلك "الفلول" صبَّت أَصواتَها واشتغلت لمرشح آخر، بل، أَيضاً، لأَنَّ الرجل لم يكن عضواً في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، ولم تُسجَّل عليه أَي شبهةِ فسادٍ، ولم يُكشف أَيُّ ملفٍ يُسيء إِليه.

 كل الأَمر أَنه كان وزيراً لخارجيةِ مصر في السنوات العشر الوسطى (تقريباً) في عهد حسني مبارك، بعد أَعوامٍ أَمضاها دبلوماسياً رفيعاً يمثل بلادَه في الأمم المتحدة، وموظفاً مرموقاً في الخارجية. ولم نُطالع ضده في بعض الصحافةِ، وفي أَوساط الثورة المصرية وأَعلامِها، مؤاخذةً كبرى على أَدائه، وإِنْ لا يعني هذا أَنَّه بلا أَخطاءٍ وصنعَ معجزاتِ إِبان كان وزيراً.

لكن، لا مجازفةَ في الزَّعم أَنه كان أَفضل وزير خارجيةٍ لمصر في السنوات الأَربعين الماضية، وله إِشراقاتٌ دبلوماسيةٌ وسياسيةٌ مهمة، ونظنُّه، في عملِه تحت سقفِ "كامب ديفيد"، وتحت سلطةِ مبارك، ومع ضعفِ مصر عربياً ودولياً، كان نشطاً وحيوياً، ووطنيَّ الوجهة، ومؤمناً بمكانةِ بلدِه وقيمتِها في العالم. وبشأْن إِسرائيل، لم يقل أَيٌّ من المرشحين للرئاسة، ومنهم محمد مرسي وحمدين صباحي، بإِلغاءِ معاهدة السلام، وقد أَشهر موسى أَنّه لو صار رئيساً سيعملُ على تعديلِ بنودٍ في "كامب ديفيد" بشأْن سيناء.

ينقلُ محمد حسنين هيكل، في جديدِه "مبارك وزمانه"، عن رفيق الحريري أَنَّ الرئيس السابق استاءَ جداً منه لثنائِه على موسى، في جلسةٍ بينهما، ما أَصابه بحرجٍ شديد. ويقول هيكل، في مقابلةٍ صحفيةٍ معه قبيل الانتخابات، إِن موسى أَكثر المترشحين جاذبيةً، وكان في وسعِه تقديم نفسِه باعتبارِه رجلاً مهنياً، أَدّى دورَه في إطار السياسات المرسومة، ثم سمعَ نداءَ الثورة واستجاب، وأَقبل بكل ما لديه من تجربةٍ لخدمةِ أَهدافها، فقد كان عبد الناصر ضابطاً أَقسم اليمين للعرش الملكي، لكن داعي الوطن شدَّه إِلى أَنْ يُوجِّه ويكرِّسَ ولاءَه للشعب.

وإِذ كرَّر موسى في حملتِه، في دعائيةٍ مفهومةٍ ربما، أَنه اختلفَ مع سياسات مبارك، فإِن هيكل يرى ذلك لم يكن ممكناً، ما لا ينتقصُ من كفاءَة موسى وتميُّزه، "فقد كان في خدمةِ الدولة، والدولةُ فيها نظامٌ يحكم، والتفرقةُ بين النظام والدولة تستوجبُ أَن يُحاسَبَ أَيُّ طرفٍ على أَدائه وسلوكِه، خصوصاً إِذا لم تكن في تصرفاتهم شوائب".

مفهومٌ ألا يصل عمرو موسى إِلى المنافسةِ على موقع الرئيس في الجولة الثانية، لعدم اقتناع ملايين المصريين ببرنامجِه ورؤاه لمستقبل بلدهم، ولكن، أَن يكون الأَخير بين الخمسة الأوائل "عقاباً" على توليه وزارة الخارجية في مقطعٍ من سنوات مبارك، فذلك عجيب، سيما وأَن أَحمد شفيق ربما يصيرُ أَول رؤساءِ مصر بعد خلع مبارك.

 

Email