تحايا إلى كاتبات عربيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجاحُ كاتباتٍ عربياتٍ في إِحباط مشروعٍ لمركزِ دراساتٍ أَميركي، يدسُّ بينهن كاتبتيْن إِسرائيلتييْن في سياقٍ ثقافيٍّ "شرق أَوسطي"، حدثٌ يستحقُّ التثمين، والإِضاءَةَ عليه، ليس فقط بالتعريفِ الإعلاميِّ به وإِشهارِه، بل أَيضاً، بالإفادَة منه في وقائعَ تستجدُّ بين حينٍ وآخر، يتمُّ فيها التعامي عن بديهيّاتِ الوجدانِ العربي، عندما تُحاولُ مؤسساتٌ وهيئاتٌ أَجنبية، تشتغلُ بالثقافةِ والبحثِ العلمي والفنون، توريطَ كتّابٍ ومثقفين عربٍ في خيوط اتصالٍ، منظورةٍ وغير منظورة، مع إِسرائيل، تحت يافطاتِ التواصلِ مع الآخر، والاشتباك معه في حوارٍ، أَو سجالٍ، ثقافيِّ السمتِ والوجهة.

وموجزُ الحادثةِ أَنَّ مركز دراسات الشرق الأَوسط في جامعة تكساس، أَراد نشر قصصٍ قصيرةٍ لثلاثين كاتبةً من الشرق الأوسط، هن خمس عشرة عربيات وأُخرياتٌ من تركيا وأَفغانستان وإِيران، في كتاب أَنطولوجيا ومدونةٍ إلكترونية.

فوجئت القاصة والروائية حزامة حبايب، في رسالةٍ من المركز بخصوص المشروع، أَنه يضمُّ، أيضاً، كاتبتين إِسرائيليتين، فطلبت سحبَ قصتها منه، ثم نشطت في تعريفِ زميلاتٍ لها فيه بالأَمر. ولم يكن مفاجئا أَنهن أَجمعنَ، ومن دون تنسيقٍ بينهن، على ربطِ مشاركتهن بحذفِ قصتي الكاتبتين المذكورتين، فنشطنَ في تكتيلِ موقف ثلاث عشرة كاتبة منهن (تعذَّر التواصل مع الباقيتيْن)، أَبلغته كلٌّ منهن المركزَ في مكاتباتٍ موثقةٍ، فتم إِلغاءُ المشروعِ.

الفلسطينية حزامة والمصرية رضوى عاشور والمغربية ليلى أَبو زيد والسورية غادة السمان والعراقية (الكردية) هيفاء زنكنة والسعودية ليلى الجهني واللبنانية هدى بركات والتونسية آمال مختار وزميلاتهن الأُخريات، لم يحملن السلّمَ بالعرضِ عندما أَخذْنَ هذا الموقف، الذي ادَّعت منسقةُ المشروع في المركز الجامعي الأميركي أَنّه يدلُّ على "تمييزٍ عرقيٍّ ودينيٍّ وقومي"..

 ببساطةٍ، لأَنَّ الوجدانَ الجمعيَّ الثقافيَّ العربي (والتعبير عنه من مشاغل الكاتب العربي)، لا يمكنُه التعاطي مع إِسرائيل باعتبارِها دولةَ جوارٍ طبيعي بين ظهرانينا، فإِذا تسامحَ أَهل السياسةِ في هذا الأَمر، للظروفِ العويصةِ إِياها، فإِن المثقف العربي في ضفةٍ أُخرى، في انحيازِه الواجبِ إِلى الإنسانيِّ والوطني.

وقبل ذلك وبعدَه إِلى الأَخلاقي. وإِسرائيلُ في واحدٍ من تعريفاتِها كيانٌ غيرُ أخلاقي، ودولةُ احتلالٍ عنصري، تمارسُ التمييزَ العرقيَّ والدينيَّ والقوميَّ السافر، الذي أَرادت امرأَةٌ أَميركية في مركز دراساتٍ، مسكونٍ، فيما يبدو، بموروثٍ استشراقيٍّ ثقيل، رميَ الكاتبات العربيات به، من دون إِنعام النظرِ في بديهياتٍ ماثلةٍ، وحقائقَ ظاهرة، بشأن ما تقترفُه إِسرائيل من ممارسات، وعرفنا أَنَّ الكاتبتين اللتيْن تنتسبان إِليها لم يُعلنا أَيَّ موقفٍ من هذه الممارسات، وتمَّ تكريمهما في مناسباتٍ حكوميةٍ لدولة الاحتلال الاستيطانية.

أَبلغت الكاتباتُ العربياتُ تلك الأميركية ردَّهنَّ المحكمَ على التهمةِ المزعومة، بشأن موقفِهن الذي تزامنَ مع ذكرى نكبةِ فلسطين الأولى، ومع مشاركةِ الروائي الفرانكفوني الجزائري، بوعلام صنصال، في احتفاليّةٍ إِسرائيليةٍ في القدس المحتلة، في فعلةٍ وقحةٍ وقبيحة، يا لرداءَتها، ويا لبهاءِ ما بادرت إِليه كاتباتٌ عربياتٌ مجيدات، لهن التحية والتقدير.

 

Email