ما قاله فاروق الباز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُراها حقيقةً مؤكدةً، أَم مجرد فشّة خلق، وغضبةٍ عابرة، قناعةُ العالم فاروق الباز التي أَشهرَها في جلسةِ افتتاح منتدى الإعلام العربي، أَول من أَمس، في دبي، أَنَّ الجيلَ الذي ينتسبُ إِليه، وهو في السبعينات، أَطال الله عمره، فشلَ في كل شيء، وأَن الرهان العربي، الآن، على جيل الشباب الراهن، في أَنْ ينجحَ، ويُحقِّق الآمالَ والتطلعاتِ العربية التي أَخفقَ سابقوهم فيها؟.

 هل هذا صحيح، أَمْ الصحيحُ ما عقَّبَ به الوزير الجزائري السابق والكاتب، محي الدين عميمور، وهو أَنَّ جيله، وهو نفسُه الذي ينتسبُ إِليه الباز، نجحَ في تحقيقِ تنميةٍ ونهوضٍ واسعيْن، على أَصعدةِ العمران والتعليم وبناءِ المؤسسات في غيرِ بلدٍ عربي. يوضح الباز، متحمِّساً لفكرتِه، أَنه أَراد الإشارةَ إِلى الفشل في تحقيق العدالةِ الاجتماعيةِ وتحرير فلسطين والوحدة العربية والتعليم، بدليلِ النسبة المرتفعة للأمية عربياً، فيما الجامعاتُ والمدارسُ كثيرة، وبقاءُ فلسطين محتلةً فيما الجيوشُ العربيةُ عرمرمية، وتزايدُ الفقرِ وتعاظمِ ثروات الأَغنياء، وتفاقم التجزئةِ واتّساع خلافاتِ الزعامات العربية.

تبدو وجهةُ النظر هذه مقنعةً، تماماً كما وجهة النظر التي طرحها عميمور، مُصحِّحاً ومحاججاً. ولأَنَّ المسأَلة على هذا النحو، ولأَنَّها جدليةٌ كما هو واضح، فإِن النقاشَ في التفاصيل ما قد يخرجُ بنتيجةٍ أَوضح.

من هذه التفاصيل أَنَّ الدولَ العربيةَ لم تكن ذات خياراتٍ واحدةٍ وموحدة، حتى نُجمل أَوضاعَها، وهي 21 دولة، في اختزالٍ يوجِز هذه الأَوضاع بأَحد احتمالين، الفشل أَو النجاح.

وإِنْ يجوزُ الذهابُ إِلى أَنَّ مقولةَ الدولة ما زالت مشوَّشة، وربما مختلة، في غير بلدٍ عربي. يُشار إِلى هذا الأَمر، مع التأْكيد على أَنَّ الوقوعَ على متشابهاتٍ بين حالةٍ عربيةٍ وأُخرى لا يُجيز استسهالَ التعميمات إِياها، وإِلا يصيرُ من الحماقةِ أَنْ يُنظرَ إِلى الأُردن والصومال كما لو أَنَّ مقادير التماثل بينهما محسومة، ما سيعني استسهالَ حكمٍ مبسطٍ عليهما.

ويكفي هذا التفصيلُ للقول إِنَّ الفشلَ في تحقيق الأَشواق والتطلعات التي هجسَ، أَو لهجَ، بها جيل فاروق الباز في مصر ومحي الدين عميمور في الجزائر، لا يعني فشلاً في تحقيق تطلعاتٍ أُخرى، طمحت شعوبٌ عربية إِليها، من قبيل توسع التعليم وتنميةِ الإمكانات الذاتية، والاحتكاك بالحداثات الغربية، وكذا النجاح في التعاطي مع إِيقاعات العصر وحساسياتِه، مع فشلٍ واضحٍ في التعاطي مع غيرها.

الجزائر والعراق كانا، في أَوائل السبعينيات، البلدين العربييْن المرشحيْن لتجاوزِ وضعِهما العالمثالثي إِلى مصافِّ الدول المتقدمة، غير أَنَّ الارتكاساتِ المعلومةَ أَبقتهما في مطرحِهما. توازى هذا مع هزيمةِ المشروعِ القومي الناصري المدوية، في ظلالِه العربية، مع نجاحِه قُطرياً في إِنهاض مصر في الصناعة والزراعة، أَعقبَه تراجعٌ حادٌّ فيهما في عهدي أَنور السادات وحسني مبارك.

ويقيناً أَنَّ اقترانَ الخياراتِ السياسية في غيرِ بلدٍ عربيٍّ برهاناتٍ وحساباتٍ أَجنبية، وارتباط اقتصاداتٍ عربيةٍ بالديون والقروض الأَجنبية واشتراطات صندوق النقد الدولي، من دلائل غيرِ قليلةٍ على تخلّي الدولة العربية القطرية عن استقلالِها الذي يُفترض أَنه أَهم الثوابت الوطنية.

وفي الوسع أَنْ يُقال إِنَّ هذين الأَمرين، معطوفاً عليهما توحُّش الفساد والاستبداد، بعض عوامل تُساعد في تدعيم فكرة فشل جيل فاروق الباز، وهذا تحليلٌ لا يذهب إِلى عوامل أخرى عويصة، ربما كانت في ذهن محيي الدين عميمور لمّا أَرادَ تبرئة جيله من الفشل، مع أَنَّ رهان الحكم في بلاده، في عهد هواري بومدين، أَنْ تكون الجزائر يابان إِفريقيا في الصناعةِ والتطور التكنولوجي.

أَخفقت الجزائر في هذا، بل راحت إِلى متاهات ومتوالياتٍ من الفشل، تضطرُّنا إِلى تحديقٍ آخر في أَحوالٍ أَشدّ فشلاً، ربما، في السودان والعراق، مثلين ساطعين، مع توفّر إمكانات مهولة في هذين البلدين للنهوضِ. أَما عن الوحدة العربية وتحرير فلسطين، فقصتان أُخريان.

 

 

Email