مع عادل إِمام

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل عادل إِمام السجن مرّات، في أَفلامٍ غير قليلة أَدّى فيها أََدوار السجين، غير أَنَّ حكماً عليه بحبسِه ثلاثة شهور (مع غرامة أَلف جنيه)، مرَّ بمرحلتين في التقاضي، يأْخذُه بشخصِه إِلى السجن. وإِذا تمَّ إِقرارُه، في مراحلَ تالية، فإِنَّ الممثلَ الشهير سيتعامل مع وجودِه معاقباً في الزنزانةِ بهزلٍ كثير، مع حزنٍ أََكثر، في مشاعر متشابهةٍ، ربما، ستكون لدى ملايين من محبي مصر وفنونِها.

لذلك، لا يحسُن حسبانُ مناصرةِ إِمام في القضية التي يُحاكم فيها منذ شهور، بأَنّها من أَجله، وإِنما من أَجل مصر التي لا تكون البلدَ الرائدَ وصاحبَ الدور الاستثنائي، ثقافياً وحضارياً، في أُمته، إِذا ما استطابَ فيها بعضُ ناسِها جرجرةَ الفنانين والمثقفين إِلى المحاكم، في دعاوى ليس خوضُ النقاشِ الكثير فيها طيباً، إِذا ما تعلَّق بالتهمةِ البائسة (والرائجة)، عن ازدراءِ الإسلام والإساءَة إِليه، في أَعمالٍ فنيةٍ مرَّت على أَجهزةِ رقابة لم تتسامح يوماً مع سلوكٍ مثل هذا، وهو مدانٌ بداهةً إِذا ما حدث.

والمدهشُ أَنَّ القضية التي قضت فيها محكمة جنحٍ ابتدائية، وثبَّتت حكمَها محكمة استئناف، تنشغلُ بفيلم "الإرهابي" المنجز في 1994، وهو عن استهداف متطرفين للسياح الأَجانب، وقتلهم فرج فودة، وبمسرحية "الزعيم" التي عُرضت ست سنواتٍ منذ 1993، وبفيلم "مرجان أحمد مرجان" الذي يُنكِّتُ بمسخرةٍ تافهةٍ على الأُدباء والكتاب والسياسيين وبعض المشايخ. وكأَنَّ صاحبَ الدعوى، المحامي عمران منصور، أََرادَ الاقتصاص من عادل إِمام بأَثرٍ رجعي. ومع الاحترام للقضاة الذين نظروا القضية، لا نتذكَّر ازدراءً أََو إِساءَةً للإسلام في هذه الأعمال التي شاهدناها، ولم ترقْ لنا فيها بعضُ السماجةِ في الهزءِ من الإسلاميين التقليديين، ومن غيرِهم.

كان الظنُّ أَنَّ نوعاً من المحاكمةِ الأَخلاقية والسياسية، سيتعرَّض له عادل إِمام (وغيرُه) بعد الثورةِ المصرية، ليس فقط لالتحاقِه الذيليٍّ بجمال مبارك ومداهنتِه النظام المرذول، بل، أََيضاً، لما بدر منه تجاه الفلسطينيين إِبّان الحربِ الإسرائيلية على أََهل قطاع غزة، ودلَّ كلامُه في حينِه على رداءَةٍ مقيمةٍ لديه في مماشاتِه حسني مبارك وأََحمد أََبو الغيط.

وبعيداً عن حكاية "الفلول" (وغيرِها)، فمن سوءاتٍ راهنِةٍ بشأنِ مصر، أَنْ نجدنا على أَشدِّ الحماسِ في الوقوفِ مع عادل إِمام في قضيتِه هذه، فيما الأَدعى أَنْ ننشغلَ بالأُفق الطليعيِّ الذي ننتظرُ أَنْ تتوجه إِليه مصر، بمبدعيها وكتّابها في غير شأن، بعد انحسارٍ ليس هيِّناً أَصابَها في سنواتِ الفساد والإفساد معلومة التفاصيل والنتائج.

وما يُطمئِننا على مصر، أَنَّ التداعي الواسع من الفنانين والمثقفين المصريين، ومن فاعلياتٍ وطنيةٍ واجتماعيةٍ عريضة، لنصرةِ حريةِ الإبداع والرأي والتعبير والتضامن مع عادل إِمام، دلَّ عل استحالةِ أَنْ يحتلَّ المشهدَ المصري متطرفون بدوا كأَنهم خرجوا من بعضِ أَفلام النجم الشهير إِلى الواقع، لينتقموا من سخريةٍ منهم، ومن رفضِهم في غيرِ فيلمٍ ومسرحيةٍ لعادل إِمام وغيرِه، وكأَنَّهم مهجوسون بكيدٍ ما، في أُثناءِ ربيعٍ مصريٍّ، وعربيٍّ بالضرورة، مشوشٍ، يُراد له أََنْ يصيرَ مشوَّهاً.

يُذكِّرنا الناقد طارق الشناوي بأَنَّ أُصوليين، إِذا جازت تسميتُهم هذه، رفعوا دعوى على محمد عبد الوهاب، قبل ربع قرن، لأَنّه في أُغنيةٍ له يقول "إِحنا جينا الدنيا ليه"، إِذ يعرف الموسيقار الكبير أََننا في الدنيا لعبادةِ الله، فلا يجوزُ هذا السؤال. ويكونُ حسناً لو تُنشر حيثياتُ الحكمِ بحبسِ عادل إِمام، لنعرفَ أَيَّ مدىً بلغه العسفُ في تصيّد الفنانين والمبدعين. تُضحكنا نكتةٌ مصرية طازجةٌ، أَنَّ حكماً غيابياً سيصدرُ على الراحل محمود مرسي، لتعذيبِه المسلمين في فيلم "فجر الإسلام". ولا نريدُ لحزنٍ غزيرٍ أَنْ يغشانا إِذا سيق عادل إِمام إِلى الزنزانة، ولا يحبُّ فيها سعاد حسني، كما في فيلمٍ جميل له، هذه المرّة.

Email