التفاتة إلى السنغال

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتولّى رابعُ رئيسٍ للسنغال الحكمَ في بلادِه بعد أَسابيع، مهندس جيولوجي اسمُه ماكي سال (51 عاماً)، هزم عبده اللاي واد (85 عاماً)، وكانا شريكين وحليفين في السلطة، فقد تولى سال الوزارة الأُولى ثلاث سنوات اكتملت في 2007، قبل أَنْ يدير حملةَ رفيقِه في انتخابات الرئاسة في ذلك العام، والتي احتفظ فيها واد بولايةٍ ثانية، غير أَنَّ خلافاً دبَّ بين الرجلين جعلهما يتنافسان في انتخاباتِ الشهر الماضي. وكان واد قد توسل للبقاءِ في السلطةِ طرائقَ دستوريةً وقانونيةً ولم يفلح، حين اقترحَ تعديلاتٍ على النظام الانتخابي رأَى أَنّها تُمكِّنه من ذلك، ثم سحبَها بعد معارضةٍ شديدةٍ لها.

وانتزعَ من المحكمة الدستورية العليا حكماً يتيحُ له الترشح لولايةٍ رئاسيةٍ ثالثة، مع أَنَّ الدستور لا يجيز غير ولايتين للرئيس المنتخب، وكانت حجةُ المحكمة أَنَّ عدم الإجازة صار بعد تولي عبده اللاي واد الحكمَ في العام 2000. مهمٌّ أَنْ نعرفَ هذه التفاصيل، لأَنَّ الاحتكام في أَثنائها إِلى القانون ومؤسساتِه هو ما ظلَّ فيصلاً حاسماً، في دولةٍ طالما وصفت بأنها إفريقيةٌ بنكهةٍ أوروبية، وتُعدُّ دولةً ديمقراطيةً مستقرة، لم تنقطع فيها الانتخابات منذ الاستقلال في 1960، والوحيدة في غرب إِفريقيا التي لم يحكمها العسكر، ولم تعرف انقلاباً عسكرياً.

مهمٌّ، أَيضاً، أَنَّ نعرفَ أَنَّ وزارةَ الداخلية السنغالية اعتذرت بشدةٍ بسبب «خطأ فادحٍ ارتكبته الشرطة في استخدام الغاز المسيل للدموع» إِبان احتجاجاتٍ واسعةٍ على نية واد الترشح، وقضى فيها ستة أَشخاص. والأَهمُّ أَنْ نتيقَّنَ من أَنَّ السنغال التي يطمحُ رئيسُها الجديد إِلى أَنْ تحتلَّ مكاناً متقدماً بين الدول الناهضة في العالم تُعطينا، نحن العرب، وكذا بعض العالمثالثيين أَيضاً، درساً في أَداءِ السلطةِ وتداولها، ونظنُّه الدرسَ الذي لم يلتفت إِليه رؤساءُ دولٍ عربيةٍ خلعوا من مواقعِهم بعد أَن استبدَّ بهم المقام فيها عقوداً، وتوسّلوا تعديلاتٍ دستوريةً من النوع إِياه، لتبقيهم رؤساء إِلى الأبد كما في الهتافات الكاريكاتورية إِيّاها، بل وحاولوا توريثَ الرئاسة لأَولادهم، ومنهم من نجح.

كما أَنَّ درساً ثانياً تُوفره السنغال لنا، موجزُه أَنَّ الحكمَ في هذا البلد في عقودِ ثلاثةِ رؤساء لم يتوسَّل الحل الأَمنيَّ والعسكريَّ العنيف في التعاملِ مع مشكلاتٍ وتوتراتٍ سياسيةٍ، كان بعضُها عويصاً، على غير ما اختبرناه، وما نزال، في غير بلدٍ عربي من استسهال في الذهاب إلى هذا الحل، أو ربما هذه الحرب، والشاهدُ السوريُّ مثلٌ ساطع.

رئيس مسلم واحد، هو عبده ضيوف، تولّى الحكمَ في السنغال التي يبلغ المسلمون فيها 94% من أَزيد من 13 مليون نسمة هم سكان هذا البلد الذي تتعدَّد فيه العرقياتُ واللغات، والذي اشتُهر رئيسُه الأَول بعد الاستقلال، ليوبولد سنغور، بأَنه الشاعرُ العالميُّ الذي ساهمَ كثيراً في أَنْ يكون لأَدب إِفريقيا مطرحُه الحيويُّ في خريطةِ الإنتاج الإِبداعي الإنساني. أَسَّس سنغور الحزبَ الاشتراكيَّ الذي ظل حاكماً في السنغال أَربعين عاماً، قبل أَنْ يُزيحه، بصناديق الاقتراع وليس بغيرِها، من موقعِه ذاك عبدو اللاي واد.

عشرين عاماً بقي سنغور رئيساً، ومثلها خلفُه ضيوف، وإِذا كان هذا الأَمر يخدشُ الاحتفاءَ بالديمقراطية التعددية هناك، فإِنه، في الوقت نفسِه، يُشيرُ إِلى التدابير الدستورية والقانونية المحضةِ التي أَباحت هذا الأَمر، وفي تجدُّدِها بتعديلاتٍ سيجري العمل بها لن تتيسَّر للرئيس الجديد، ماكي سال، عقدان يمكثهما في القصر الجمهوري، وهو الذي يُواجِه تحدياتٍ متراكمة، أَولهما الفقر والبطالة، مع قضايا معيشيةٍ أخرى، لم تفلح سنوات رئاسة عبدو اللاي واد في حلّها، ما جعل الرجلَ بغير نجاحٍ وبغير فشلٍ معاً، على أَنَّ المسألة الديمقراطية في السنغال تقدَّمت كثيراً، وتُعطينا ما ينبغي أَنْ يتعلَّمه أُولو القرار الأَول ومحتكروه في بعضِ بلادِنا.

 

Email