عن تقرير المعرفة العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

جهدٌ شديدُ الفرادة، بما توفَّر فيه من مقاديرَ غزيرة من العلمية والمنهجية بالغة الدقة، تبدّى في «تقرير المعرفة العربي 2010/2011»، والذي اختصَّ بقضية «إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة»، يكون مهماً أنْ تلتفت إليه القطاعاتُ المعنية بالتربية والتعليم والتأهيل في بلادِنا، وبالاهتمام الذي يستحقُّه، إذ يُزوِّدها بمعطياتٍ تمَّ التوصل إليها بعد دراساتٍ مسحية واستطلاعية وميدانية، في موضوعِه الذي يتعلقُ بشأنٍ استراتيجيٍّ، هو تطلعنا نحن العرب، بفعلِ التطورات المتسارعة في التقانة والعلوم، إِلى دخول مجتمع المعرفة، أَي المجتمع الكلي الشامل الذي تتحقق فيه نقلةٌ نوعيةٌ في نموذجِ المعرفةِ والثقافة والسياسة والاجتماع، ويرتبطُ بثقافةٍ عالميةٍ في حقوق الإنسان.

والتحيةُ واجبةٌ، هنا، إِلى مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم التي أُعدَّ التقريرُ الوافي بدعمٍ ورعايةٍ منها، وبالاشتراك مع المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو الثاني الذي تدعمه المؤسسة وترعاه، وبالشراكةِ نفسها، لا سيما.

أَيضاً، أَنه يضيءُ على واحدةٍ من أَهم توصياتِ التقرير الأول، والمتعلقة بإعداد الأجيال الناشئةِ لمجتمع المعرفة، أَي الأَجيال التي تراها المؤسسة حجر الأساس لبناءِ نهضةٍ إِنسانية مستدامة. وإِذ أَظهر التقرير الأَول نواقصَ وثغراتٍ عديدة في المشهد المعرفي العربي، فأَهمية التقرير الثاني، والذي تمَّ إِطلاقه في دبي الأسبوع الماضي، تتضاعفُ، لتقديمه حلولاً عملية للاسترشاد بها في الدول العربية، لجسر الفجوة المعرفية التي استفاض بشأنها سابقه.

خبراءُ واستشاريون عربٌ كانوا وراء إنجاز التقرير بصفحاته الـ548، وبالمسوحات والاستطلاعات والإحصاءات والبيانات والتحليلات والتأسيسات النظرية، وفي الوسع القول إِن التقرير، في تميزه علمياً ومنهجياً، يُدلل على كفاءَة أَهل الاختصاص من الخبراء والباحثين العرب في تشخيص أَحوال مجتمعاتنا وبلادِنا، وعلى غير مستوى وصعيد، من دون تبخيسٍ من أَهمية تقارير تدأب على إِصدارها مؤسسات وهيئات دولية.

وبتوزُّع التقرير على جزأيه، واشتمال الأول منهما على عرضٍ تجميعيٍّ عربي شامل، والثاني على حالات الدراسة الأربع، الإمارات واليمن والمغرب والأردن، فإنَّ عُدَّةً متكاملةً من المعطيات والحيثيات يُيسِّرها التقرير لصناع القرار وأَهل التخطيط والتأهيل في ميدان التعليم والتربية والبحث العلمي، وقبل ذلك وبعده، في ميدانِ تنميةِ مدارك النشء وقدراتِه ومهاراته.

وفي البال أَن من نتائج وفيرةٍ خلصت إليها دراسات التقرير، تدني مهارات البحث عن المعلومات ومعالجتِها والتواصل الكتابي وحل المشكلات واستخدام الثقافةِ لدى التلاميذ العرب. وبالتوازي مع هذه الحيثية السلبية، جاءَت نتائج أخرى على امتلاكِ التلاميذ القيمَ التي تؤهلهم لمجتمع المعرفة، مع تفوق الإناث على الذكور بشكل عام.

كان طيِّباً أَن إطلاق التقرير جاءَ في مؤتمر على مدى يومين، ناقش قضايا ومسائل تتعلق بمثل هذه النتائج، وتداول المنتدون فيه المسؤولية عن ضعف المهارات المطلوبة لمجتمع المعرفة لدى النشء، ومدى مساهمة المناهج وطرق التدريس السائدة، سلباً أو إيجاباً، في بناء المهارات.

وكان طيباً، أَيضاً، أَنَّ التقرير يُيسر تشخيصاً ووصفاً نوعياً ودقيقاً من زوايا عدة، لمساعدة المسؤولين على تقييم الأداءِ وتطوير الخطط التنموية لبناءِ مجتمعاتٍ معرفية، ما يعود إِلى أَن معدّي التقرير يرون أنَّ تأهيل النشء لمجتمع المعرفة، يستلزمُ تزويدَه بمنظومةٍ متكاملةٍ من المهارات المتماشية مع متطلبات العصر، بما فيها المهارات الوجدانية والمعرفية والاجتماعية.

ولعل أَهم الخلاصات، في هذا الشأن، أَنَّ التقرير يلحُّ على أَنَّ "تحسين نوعية التعليم يمثل تحدياً أساسياً أَمام الدول العربية التي تسعى إِلى تأسيس النهضةِ ودخول مجتمع المعرفة"، ولا تعسُّفَ في الذهاب إِلى أَنَّ الجوهري هنا، وفي إِلحاح "تقرير المعرفة العربي 2010/2011"، أَيضاً، على وجوبِ أَنْ "تصبح خطط الإصلاح التربوي جزءاً من خطط التنمية الشاملة في سياق الحرية والديمقراطية في المجتمع، تقودُها إِرادةٌ سياسية قوية، تدعمها إِرادةٌ مجتمعية فاعلة". هل من يقرأ هذا؟ هل من ينتبه؟

Email