«طيران الإمارات» ومهرجانِها للآداب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجترحُ «طيران الإمارات» حالةً فريدةً وجديدةً في العالم العربي، في تنظيمِها مهرجانَها للآداب، والذي اختتمَ، السبتَ الماضي، دورتَه الرابعة.

وإِذ يحدُثُ أَنْ تُنظم شركاتٌ ومؤسساتٌ عربيةٌ كبرى، تعملُ في التجارةِ والخدماتِ والصناعة، أَنشطةً ذات مشاغل فنيةٍ وثقافيةٍ، أو ترعاها أو تدعمها، فإِنَّ ما مهرجان «طيران الإمارات للآداب» يتجاوزُ ذلك الأَمر الذي ينتسبُ إلى العلاقاتِ العامة، المحمودةِ على أَي حال، أَكثر من نسبتِه إلى التنشيط الثقافي والفني. ولا أَدلَّ على ذلك من التنوع الباهر في هذه التظاهرةِ السنوية، الرفيعةِ المستوى، ومن المعايشةِ الحميمةِ بينها وبين الجمهور الواسعِ الذي يُقبل عليها في أَيامِها الخمسة الرائعةِ بحسبِ وصفٍ كانت رئيسةُ المهرجان، إِيزابيل أَبو الهول محقةً فيه.

ولا مجازفةَ في القولِ إِنَّ الطوابيرَ الطويلةِ في أَثناءِ فعاليات المهرجان وأَنشطتِه أَمام مؤلفين وكتّابٍ وأُدباء أَجانب وعرب مستضافين فيه للتوقيعِ على كتبهم، مشهدٌ استثنائيٌّ في المدن العربية. وفي وسع متابع المهرجان في دورتِه العام الجاري وسابقاتِها أَنْ يُشهرَ باطمئنانٍ دهشتَه الكبيرةَ من التفاعل الحيوي والباهر بين عشراتِ آلاف الزوارِ وفعالياتٍ عديدةٍ فيه تنوَّعت مشاغلُها وجمعت بين الإِماراتي المحلي والفضاءِ العربي والمنجز العالمي.

نحو 120 كاتبا ومثقفاً عربياً وأَجنبياً شاركوا في نحو مائتي جلسةٍ وأُمسيةٍ وورشةٍ في المهرجان البديع الأُسبوع الماضي، استمتع نحو 30 أَلف زائر بها، وكان منهم الأَطفال الذين كانت لهم حصةٌ وازنةٌ في الفعاليات، قناعةً من القائمين على المهرجان بأَهمية زرع عادةِ القراءَةِ في نفوس الأَطفال لتكبر معهم، ولهذا دعيَ عددٌ كبيرٌ من مؤلفي أَدب الأطفال، وكان منهم نجم المهرجان، الأُسترالي دارين شان، والذي أَعلنَ أَنه لم يُشاهد في مهرجاناتٍ أُخرى هذا الإقبال والتفاعل الحميميَّ والتواصلَ بين الجميع، كتاباً وجمهوراً.

ولغير الأَطفال من الجمهور المتنوعِ الجنسيات، وبمختلفِ الأَعمار، أَنْ يختاروا ما يستطيبونَه من نقاشاتٍ، بخمسِ لغاتٍ تيسَّرت الترجمةُ منها وإِليها، في جلساتٍ وندواتٍ حوارية مع ذوي تجاربَ إِبداعيةٍ خاصة، ومع مختصين ومنشغلين بالفنون والكتابة والثقافة والفكر واللغة والاجتماع والمعرفة والتراث والهوية والتاريخ والمعمار والإعلام والطهي، من مقترباتٍ وزوايا نظرٍ متعددة، بحسبِ خياراتهم الجمالية والثقافية، سيما وأَنهم من غيرِ بلدٍ عربي، ومن الهند وأَميركا والصين وبريطانيا وأستراليا وكندا وفرنسا وإيرلندا وبنغلادش وأَصقاع أُخرى.

ويشعر زائر المهرجان والمتجول في فناءاتِه وقاعاته بأَنه، حقاً، ليست هناك محاذير أو توجيهات ذات محتوى رقابيٍّ عن طبيعةِ الفعاليات أو الضيوف، كما أَوضح ذلك، مدير عام هيئة دبي للثقافة والفنون بالإنابة، سعيد النابودة، والذي أَشار، أَيضاً، إلى تمثيل «طيران الإمارات للآداب» انعكاساً لطبيعةِ مدينة دبي التي تحتضن جنسياتٍ وثقافاتٍ متعددةٍ من مختلف بقاع الأرض.

ليس من مديحِ الذاتِ في شيء أَن يُؤشر أَهل المهرجان إلى اللقاءِ الاستثنائيِّ بين الثقافات، والتبادل الثري للأفكار في غضونِه، ما ينسجمُ مع واحدٍ من مضامين خطةِ دبي الإستراتيجية 2015، والتي أَطلقتها هيئة دبي للثقافة والفنون التي يُقام المهرجان بشراكةٍ معها، وهو تعزيز مكانةِ الإمارة، مدينةً عربيةً عالميةً تُساهم في رسمِ ملامح المشهد الثقافي والفني في المنطقةِ والعالم.

وإِلى سمتِه الأَوضحِ هذا، ثمّة المزاوجةُ الرائقةُ في المهرجان بين التأْكيد على أفقِه الثقافي العام والأوسع، ما يتبدّى، مثلاً، في ندوةٍ مهمةٍ فيه عن وجوبِ حماية اللغة العربية، وفي أُمسيات شعراءَ من الإمارات، توازت مع أُمسيات شعراء من العالم. وكانت طيبةً أُمسية الشاعر الفلسطيني، مريد البرغوثي، وقد حازت ثناءَ جمهورٍ عريض، بعضُه غيرُ ناطقٍ بالعربية، كما هي طيِّبةٌ جلساتٌ تعصى على الحصر في مهرجانٍ، يُؤكد تميَّزَه عاماً بعد عام، بفضلِ مثابرةِ رئاسةِ «طيران الإمارات» وإِداراتِها على المساهمةِ بفاعليةٍ محمودةٍ وحيويةٍ في التنشيطِ الثقافي في دبي، وبوجهٍ عالمي، وإِنسانيٍّ دائماً.

Email