جسارة صحافيين غربيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ثمَّة ما يجري في حمص، ويجب أَنْ ننقلَه، ونكتبَه من هناك». رسالةٌ بعثها مراسل «نيويورك تايمز» في الشرق الأَوسط، أَنتوني شديد (43 عاماً)، إِلى مديرِه في الصحيفة، ثم قرَّرَ بنفسِه الذهاب إِلى حيثُ المحنةُ السورية.

وبجسارةٍ تثيرُ إِعجابَنا وحسدَنا معاً، نحن الصحافيين العرب، وصلَ إِلى هناك، ودوَّن ما رأَى، قبل أَنْ يُجازِف بركوبِ الخيل لعبور الحدودِ التركية السورية، على الرَّغم من إِصابته بربوٍ ذي حساسيةٍ قاتلة، ما تسبَّبَ في وفاته.

لم يقضِ بواحدةٍ من قذائفِ جيش النظام على بابا عمرو، كما الأَميركية مراسلة «صنداي تايمز»، ماري كولفن (56 عاماً)، والتي قال عنها زميلُها المصور البريطاني، بول كونروي (47 عاماً)، إِنها «ماتت وهي تقوم بعملٍ تُحبه، ولم تكن تُريد أَكثرَ من قول الحقيقة، وروَّعها الوضعُ الذي شهدته في حمص».

 وهو وضعٌ يتمُّ فيه ذبحٌ منهجيٌّ للمدنيين، على ذمَّة كونروي الذي شبّهه بالوضعِ الذي كان في رواندا وسربرينيتشا، ويقول «هناك غرفٌ مليئةٌ بالذين ينتظرون الموت، والله وحدَه يعلمُ ما سيحدُث، عندما لا تكون هناك كاميرات».

نقرأُ شهادةَ هذا الصحافي البريطاني الذي نجا، فيما قضى زميلُه الفرنسي، ريمي أُوشليك (28 عاماً)، مع كولفن، فنتيقَّن من أَنَّ قوةَ التخويفِ واحدةٌ من أَسلحةِ النظام، وتجرَّأَ عليها صحافيون غربيون، عندما تسلَّلَ بعضُهم إِلى الداخل السوري، انحيازاً منهم إِلى موضوعيَّةٍ مهنيةٍ يرونَها توجِبُ عليهم «أَنْ يكونوا هناك» وفي قلبِ الموت، لإنجاز قصةٍ إِخباريةٍ حارَّة، أَو التقاط صورةٍ فوتوغرافيةٍ ناطقة، وقناعةً منهم بحسٍّ أَخلاقي تجاه أَيِّ ضحايا في أَيِّ مكان، وهذا تدلُّ عليه سير من قضى وأُصيب منهم في سوريا، ومن نجا، فقد عايَن أَنتوني شديد القتل في ليبيا إِبّان الثورة فيها، وفقدت ماري كولفن إِحدى عينيْها في سريلانكا، ووجدت أَنَّ في حيٍّ في مدينةٍ سوريةٍ اسمُه بابا عمرو ما يستحقٌّ أَن تراه عينُها الباقية.

وهذه الفرنسية إِديث بوفييه، تحتملُ مجازَفةً عسيرة، فيما إِحدى ساقيْها كسَرتها إِصابةٌ بالغةٌ، عندما تُغادر مع زميلها المصور، وليام دانييلز، إِلى الأَراضي اللبنانية، تسللاً كما دخلا، بحمايةِ 35 ناشطاً ومتطوعاً سورياً، تعرضوا لكمينٍ فقتل منهم 13، ما يوجِب إِشهار شديدِ الإعجاب ببسالةِ هؤلاء المحاربين، وحرصهم بيِّنٌ على أَنْ تصلَ شهادتا بوفييه ودانييلز عمّا عاينوه في حمص في تسعةِ أَيامٍ مروِّعة، وقد قالا لصحيفتهما «لوفيغارو» إِنَّ شعوراً كان لديهما بأَنَّ الصحافيين مستهدفون بشكل مباشر.

شون ماكالستر وراميتا نافائي ودوروتي بارفاز وصوفيا عمارة وخافيير اسبينوسا ووليم دانييلس وتايلور هيكس، صحافيون ومصورون غربيون آخرون كسروا منعَ النظام السوري تغطيةَ الثورة ضده، مع عدم إِغفال المصور التلفزيوني الفرنسي، جيل جاكيه، الذي قيل إِنَّ تحقيقاً سيتمُّ في مقتلِه في حمص قبل شهر، ونُؤكِّد، بلا حرجٍ، أَنَّ لا تحقيقَ ولا ما يحزنون سيجري بشأنه، ولا بشأْن الصحافي السوري، شكري أَبو البرغل، الذي حسمت دمشقُ أَنَّ رصاصَ المجموعاتِ الإرهابيةِ أَودى به، ولم تتجرَّأ على زعمِ شيءٍ بشأن رامي السيد، مصور البث المباشر في بابا عمرو، وقد قتلته شظيّةُ قذيفةٍ وهو يحاول إِسعاف جرحى.

وهو واحدٌ من جمهرة سوريين فاجأوا العالم ببراعتهم في تغطية ثورةِ شعبِهم، ومتابعتها باللقطات والصور، وبثها في الفضاءِ الإلكتروني والتلفزيوني، والذي هو لغير أَهل السلطة، فيما الأَرض لهم، على ما يدّعون. وفي الوسعِ أَن يقول المرءُ إِنَّ الثورة السورية وحدها، هي التي يغطي أَخبارَها ويُوزِّع صورَها صنّاعها أَنفسُهم. أَمّا انعدامُ أَيِّ تجربةٍ صحفيةٍ عربيةٍ تُشابه مغامرات أَنتوني شديد وزملائه ماري كولفن وريمي أُوشليك وإِديث بوفيه وبول كونروي، وكذا الروائي الأميركي الفرنسي، جوناثان ليتل، والذي أَبدع كتابةً ريبورتاجية في «لوموند» بالغةَ الحيوية من حمص، فقصِّةٌ أُخرى.

Email