مسلسل المصالحة الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يبدو الجمهور الفلسطينيُّ في الضفةِ الغربية وقطاع غزة، في بهجةٍ ظاهرةٍ بمسلسل اللقاءاتِ الوفيرةِ بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، وبين أَركانٍ في "فتح" وفي "حماس"، بل إِنه لا يستقبلُ الأَخبارَ عن هذه الاجتماعاتِ في الدوحة والقاهرة، وغزة أَحياناً، بكبير اهتمامٍ واكتراث، وإِنْ يُفضِّل أَجواءَها على أَجواءِ التشنج والاحتراب والشقاق والسباب والتباعدِ في أَزيدَ من أَربع سنوات مضت.

يستوقفُ المراقبَ هذا الأَمر، سيَّما وأَنَّ "إِعلان الدوحة"، الموقع بين عباس ومشعل قبل أَيام، نصَّ على إِجراءاتٍ للتنفيذ في طريق إِنهاء الانقسام والتقسيم الحادثيْن، وفي مسار إِنجازِ المصالحةِ، لكنَّ متابعةَ التفاصيل تُرينا تباطؤا ثقيلاً في إِنجاز تلك الإجراءات، وأَولها تشكيل حكومة توافق وطني برئاسة عباس، تُجري الانتخاباتِ التشريعيةَ والرئاسيةَ في موعدٍ لم يتعيَّن بعد، وتنشطُ في إِعمار غزة، بالتوازي مع إِعادةِ بناءِ منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل إِطاراتِها التمثيلية والقيادية.

لا شيء في تشكيل الحكومة العتيدةِ بُدئَ به، وإِنما مجرد اجتماعاتٍ وابتسامات، تتخللها تصريحاتٌ عن معوقاتٍ، يتمُّ نفيها لاحقاً، وتشوبُها اتهاماتٌ متبادلةٌ بالمسؤولية عن هذا التباطؤ. ولا يمكنُ لمناخٍ مثل هذا أَنْ يُحدِثَ الابتهاجَ المشتهى والاكتراثَ المطلوب والاهتمام اللازم، لدى الجمهور الفلسطيني في الوطن المحتل والشتات.

تُراها التفاصيلُ الثقيلةُ التي تراكمت في مرحلةِ ما بعد "الحسم العسكري" إِياه في قطاع غزة، لا تجعلُ المصالحةَ الحقيقيةَ تتحقق بالكيفيةِ السريعةِ المرجوّة؟ أَم أَنَّ حساباتٍ ورهاناتٍ ما زالت لدى قياديين نافذين في "حماس" و"فتح" تجعلُ أَفضليةً لإدارةِ الانقسام لديهم على إِنهائِه؟

فثمة مكاسبُ ومصالحُ تعزَّزت، في السنوات السابقة، لدى شخصياتٍ هنا وهناك، يتقدَّم الحرصُ عليها على أَيِّ اعتبارٍ آخر، أَم أَنَّ لا شيءَ من هذا أَو ذاك، وإِنما هي إِجراءاتٌ تنفيذيةٌ ينبغي أَنْ تأخذَ وقتَها من دون ارتجالٍ أَو تسرع، حمايةً لجهود إِنهاءِ الانقسام، الفلسطينيةِ والمصريةِ والقطرية، من أَيِّ انتكاساتٍ تبقى واردةً؟

هي أَسئلةٌ مسوَّغةٌ تماماً، يتوازى طرحُها، أَو ينبغي أَنْ يتوازى على الأَصح، مع استهجانٍ، مسوَّغٍ هو الآخر، لغيابِ الحديثِ عن المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ الجامع في مواجهةِ الاحتلال الإسرائيلي وممارساتِه، في أَجواءِ المصالحةِ المنقوصة، وفي البال أَنَّ قياديين في "حماس" تحدثّوا في الأَسابيع الأَخيرة عن "المقاومة الشعبية"، من دون إِضاءاتٍ على هذا الخيار المستجدّ، تفسِّر ما إِذا كان إِقراراً متأخراً بإخفاقِ خيار ضرب الصواريخ، عديمةِ الجدوى ميدانياً والباهظةِ الكلفة أَمنياً وسياسياً، نحو المستوطناتِ المحيطة بقطاع غزة، بعد فشلِ خيار العمليات الاستشهادية المتوقفة منذ سنوات.

بالعودةِ إِلى مسلسل المصالحة، ثمَّة اتهامٌ تجاه حماس أَخذ يتَّسع، تُشيعُه فاعلياتٌ فلسطينية، في "فتح" وغيرِها، ويبدو محقّاً ربما، موجزُه أَنَّ الحركةَ التي تختطف قطاع غزة، تمنع بدءَ لجنة الانتخابات عملَها في القطاع، فيما يشترط عباس هذا الاستحقاق لبدءِ تشكيل الحكومة وللإعلانِ عن الانتخابات.

تنفي حماس هذا الأَمر، بعد أَن نفت، طويلاً، وجود خلافاتٍ بيِّنةٍ بين قياداتِها بشأن "إِعلان الدوحة"، قبل أَنْ تتمكَّن من حلِّ تلك الخلافات، وتنسجمَ مع ما قرَّره خالد مشعل، منفرداً على الأَرجح، احتراماً لجهد قطري، في توقيعِ الإِعلان المذكور، والذي أَعطى اندفاعةً مهمةً لاتفاق القاهرة، والمأْمولُ أَنْ يُحقِّقَ اندفاعةً تنفيذيةً وإِجرائيةً وعمليةً على الأَرض، يكونُ من تفاصيلِها أَنْ تنشطَ لجنةُ المصالحةُ المجتمعيةُ في عملِها العويص.

وأَنْ تتأَكَّد اللجنةُ المختصة بملف المعتقلين، من خلوِّ سجونِ السلطةِ في الضفة الغربية وسجون "حماس" في غزة، من المحتجزين والموقوفين والمحبوسين بسبب انتمائهم السياسي والفصائلي. هو البطءُ والتثاقلُ المريران يجعلان الإِحباط والشكوك وقلة الاكتراث الجماهيري بالمسأَلة برمتها، أَبرز عناوين المشهد الفلسطيني في غضونِ متابعتنا مسلسل المصالحة الراهن، والذي نأْمل نهايةً سعيدةً له بعد حلقاتِه الطويلةِ والمضجرة.

Email