تضامناً مع عماد حجّاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

أَنْ ننتصرَ لرسام الكاريكاتير، الصديق عماد حجّاج، ضد المنظمتيْن الصهيونيتيْن، "جي تي آي" و"بناي بريث"، في استهدافِهما له، يعني أَنْ ننتصرَ لأَنفسِنا، لأَنهما اعتبرتاه "مجرماً"، واخترعتا له تهمَ العداءِ لليهودية والسامية، والتحريض على العنف العنصري ضد اليهود، فيما تهمة عدائِه إِسرائيل لا يتنكَّرُ لها حجّاج، بل يُشهرها صدوراً عن وطنيَّتِه المؤكدة، وحسِّه الأَخلاقي البديهي.

وفلسطينيَّته وأُردنيَّتِه البهيَّتيْن، وهو الذي اعتنقَ الدفاع، بالرسمِ الكاريكاتوريِّ الاحتجاجيِّ الرائق، منذ أَزيدَ من عشرين عاماً، عن قضايا العدالةِ والحريةِ والإنسانيةِ والإبداع، بإِخلاصٍ فنيٍّ جعلَ موقَعه في الصدارةِ بين زملائِه رسامي الكاريكاتير العرب، وكان نيلُه مرتين جائزةَ الصحافة العربية من بعضِ ما يدلُّ على تميُّزِ منجزِه الرهيف.

وأَولُ ما يمكنُ قولُه بصددِ الهجمةِ التي أَشهرتها ضدَّه المنظمتان المذكورتان، ومقرُّهما في نيويورك، إِنَّ عماد حجّاج أَرفعُ من أَنْ يتورَّطَ في ارتكابِ مثل هذه التهم السخيفة، فلم تتسلل العنصريةُ إِلى خطوطِه يوماً، ولم يكن عداءُ اليهوديّةِ والأَديان، يوماً، من مضامين رسوماتِه الجذّابة،.

والبالغةِ الحذاقةِ في إِضاءاتِها على كل عسفٍ وظلمٍ وطغيان، ولم ينشغل باليهود أَعداء له، بل تسلَّحَ بالرفيعِ من التعبير بالتأْشير والتلميحِ والتصريح، في نكتتِه الذكية والباسمة، وفي ضرباتِ ريشتِه الأَخّاذة، وفي كل لوحةِ كاريكاتير له انتظرناها في غيرِ صحيفةٍ عربيّةٍ.

لا وصفَ لاتّهام المعادين لإِسرائيل وجرائِمها بالعداءِ للسامية، غير أَنَّه إِرهابٌ فكريٌّ صار سخيفاً من فرطِ ذيوعِه في منابر الغربِ الإعلامية والثقافية، ومن عجبٍ أَنْ يصيرَ حجّاج واحداً ممن ترميهم المنظماتُ المتعصبةُ للشرِّ الإسرائيلي بها، وهو الذي ينتسبُ للأُمة العربيةِ الأَكثر ساميّةً ممن أَلصقوا بأَنفسِهم هذا الانتساب، فيما هم هجينٌ من الأُمم والأَقوام والأَعراق، توهَّموا أَنَّ يهوديَّتهم تمنحُهم هذا الحقَّ باحتكارِ السامية واليهودية، بل والزَّعمِ بأَهليَّتِهم في النطقِ باسمِ أَهل السامية والدين اليهودي.

وأَنْ تنعتَ المنظمتان المذكورتان عماد حجّاج بأَنّه "مجرم"، فهذه واقعةٌ لا يليقُ بالتشكيلاتِ والكياناتِ الثقافية والفنيةِ العربيةِ أَنْ تصمتَ عنها، فتمرَّ وكأَنَّها عابرة، لاسيّما وأَنَّ الاتهام جاءَ من تينك المنظمتين المنقطعتين للدفاعِ عن جرائم الحرب التي لم تكف إِسرائيلُ عن ارتكابِها. والبادي أَنَّ الفنان المعروف أَغاظ "بناي بريث" و"جي تي آي"

وغيرهما ممن ينشطون في تزويق إِسرائيل بالدعاوى المتهافتة إِياها، بوصولِ رسوماتِه المنحازةِ، بداهةً، للحقِّ الفلسطيني، إِلى صحفٍ ودورياتٍ أَميركيةٍ كبرى، من طراز "نيوزويك"، وكذلك برسمِه بالإنجليزية في مواقعَ إِلكترونيةٍ ووكالاتٍ غربيةٍ بالمجان، وباستفادةِ صحفٍ أَميركيةٍ من رسوماتٍ غير قليلةٍ له، باستخدامها في مقالاتٍ وتحليلاتٍ وأَعمدةِ رأْيٍ فيها.

ولذلك، يحقُّ لنا، كتاباً وإعلاميين ومثقفين عرباً، أَنْ نعتزَّ بهذا النجاح الذي أَحرزه عماد حجّاج، بالفنِّ وليس بغيرِه، وأَنْ نُهنئَّه، لاسيَّما وأَنَّه استنفرَ مواضعَ خطرةً لدى مجموعاتِ الدعايةِ الرثّة لإسرائيل في أميركا.

في تداعيات "11 سبتمبر"، ومع غزو العراق، وإِبّان العدوان الإِسرائيلي على قطاع غزة، حضر عماد حجّاج رسامَ كاريكاتير صاحبَ قضية وخلاقاً، كما عطاؤُه عن المهمشين والغلابى. ولا شططَ في الزَّعمِ، هنا، أَنَّه واحدٌ من قلةٍ نهضوا بالكاريكاتير العربي، وله فيه سمتُه اللاذعُ والرشيق. وفنانٌ بمثلِ هذه الفرادةِ لا يمكنُ أَنْ يكون في مستوىً هابطٍ تخيلتْه المنظمتان المناصرتان لإسرائيل.

وهجمتُهما عليه تُذكِّر بتحرشاتٍ كثيرةٍ بالصحافة المصرية، وحادثةُ دعوى منظمةٍ يهوديةٍ فرنسيةٍ على إِبراهيم نافع لنشر "الأَهرام" مقالة، قبل أَحد عشر عاماً، عن قتل 16 يهودياً رجل دين فرنسي وخادمه، وكذا شكوى سفارة إِسرائيل على رسمِ كاريكاتير في صحيفة الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقاً والمنحل لاحقاً) مجرد محطتيْن في أَرشيفٍ وفيرٍ بوقائع مماثلةٍ للتطاول المستجدِّ على إبداع عماد حجّاج، ما يدلُّ على أَنَّ المعركة مع أَصحابِه مرَّةٌ ربما، ولهذا، فإن الانتصار لزميلنِا انتصارٌ لأَنفسِنا.

 

Email