إِسرائيل في جنوب السودان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أَدلى به رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، في زيارتِه، الأُسبوع الماضي، لإِسرائيل، يفوق بأَرطالٍ كثيرةٍ المعهود دبلوماسياً في زيارات المسؤولين دولاً صديقةً لبلدانِهم، فقد أَغدَق الرجلُ على الدولةِ العبريةِ ما قد لا يبوحُ به بعض الصهاينة، ومن ذلك أَنَّه سمّاها «أَرض الميعاد للشعب اليهودي»، ووصفَها بأَنّها «نموذجٌ يُحتذى ومثالٌ للنجاح». وفي مزايدةٍ عمياء، وشططٍ يقفزُ عن حقائقَ مؤكدة، افترض سلفاكير أَنه لولا إِسرائيل لما قامت دولة جنوب السودان، وأَشهرَ سعادتَه بعلاقاتٍ استراتيجيةٍ بين جوبا وتل أَبيب.

وأَنْ تكون زيارتُه هذه الأُولى له خارج دولته الوليدة، إِذا ما استثنينا مشوارَه إِلى الخرطوم قبل شهور، فذلك قد يعني أَنَّ ما كان يُشاعُ سودانياً وعربياً عن جهودٍ مطلوبة، في السنوات الستِّ التي سبقت استفتاءَ الانفصال، باتجاه وحدةٍ جاذبةٍ لأَهل الجنوب مع الشمال، ربما لم يكن في مطرحِه، فالانجذابُ إِلى إِسرائيل، ومساعداتِها ومشاريعِها في الدولة الناشئة، أَقوى بكثيرٍ من أَيِّ إِغراءٍ عربيٍّ بمنافعَ يمكن تحقُّقُها لأَهل الدولة المذكورة في اختيارِهم الوحدة مع الشمال.

وهذه زيارة النائب السابق للرئيس السوداني تل أَبيب تبدو وكأَنها رحلةُ حجٍّ مقدسة تبتلاً وعرفاناً لا يرى الرجلُ حرجاً في إِشهارِهما، مع إِبداءِ عواطف حارَّةٍ على ضحايا المحرقة النازية في وقوفِه، بالسكينة إِياها، أَمام نصبٍ لهم هناك، من دون أَنْ يتكرَّم على الفلسطينيين بعبارةِ تعاطف، أَو أَقلُّه أَنْ يُذكِّر مضيفيه بأَنهم يسعون، أَيضاً، إِلى إِقامةِ دولتِهم في وطنهم.

ليست العلاقة، إِذن، بين جنوب السودان وإِسرائيل صداقةً من الصنف المعتاد بين دولتين تجمعهما مصالحُ وصلاتٌ، إِنها تتجاوز التحالفَ إِلى ما هو أَوثق، والبادي أَنّها تفوقُ ما ينبغي أَنْ يلزمُ من علاقاتٍ حسنةٍ ووطيدة مع السودان، الدولة التي كان، لشهور فقط، زعاماتُ الجنوب مسؤولين حكوميين فيها. وفي استعراضِ ما تطوَّر إِليه التحالفُ المتحدَّث عنه، نرى أَنَّ شركاتِ الأَمن الإِسرائيلية تقاطرت إِلى جنوب السودان بتدافعٍ وتسارعٍ ملحوظين، من ذلك أَنَّ واحدةً منها هيّأَت المستلزماتِ الأَمنيةَ لمقر سلفاكير ومكتبِه في جوبا، وأُخرى مختصَّةٌ في إِنتاج الأَبواب الأَمنية وتطويرِها وتسويقِها افتتحت مكتباً لها هناك، كما أَنَّ شحناتِ أَسلحةٍ وصلت إِلى جنوب السودان أَخيرا، مع عناصر تدريبٍ عسكريٍّ فائقةِ القدرات.

ومن الطبيعيِّ أَنْ لا يجهرَ الجانبان بشيءٍ عن المدى المتقدم الذي وصلت إِليه علاقات الإِمداد الأَمنيِّ والتسليحيِّ والعسكريِّ من الجانب الإسرائيلي إِلى نصيره الجنوب سوداني، وهذا بيان مكتب نتانياهو يشير، عقب مباحثات سلفاكير، إِلى مساعداتٍ مرتقبةٍ ستوفرها إسرائيل لصديقتها المستجدة، في الصحةِ والتقنياتِ الزراعيةِ والبنى التحتية، من دون المرور على ذلك الجانب الأَهم، سيّما وأَنَّ وزيري الدفاع والأَمن القومي في دولة الضيف الزائر كانا يرافقانِه، وسيما، أَيضاً، أَنَّ المذكور أَفاضَ في التعبير عن سعادتِه بعلاقاتٍ استراتيجيةٍ قائمةٍ مع إِسرائيل.

ليست مناسبةً لمناحةٍ على خسرانٍ جديدٍ للأَمن القومي العربي، تُبادر إِليه جنوب السودان، لكنه تذكيرٌ بنجاحٍ إِسرائيليٍّ مضاف في إِفريقيا، والتي تردَّدَ أَنَّ نتانياهو سيزور، قريباً، دولاً فيها، لمتابعةِ ما تحقَّق في جولةِ وزير خارجيته، أَفيغدور ليبرمان، هناك، قبل شهور، من تعزيزٍ للعلاقاتِ الأَمنية والاستخبارية، ولمزيدٍ من الحضور الإسرائيلي هناك.

وإِذا تناسى سلفاكير ميارديت أَنَّ الدول العربية احترمت خيار مواطنيه بالانفصال، وأَنَّ إِسهاماتٍ مصريةً واستثمارات عربية وصلت إِلى بلدِه المستجد، وأَنَّ هناك برامج معلنة لأُخرى غيرِها، وأَنَّ آفاقاً ممكنةً وواعدةً للتعاون بين الدول العربية وجنوب السودان، إِذا تناسى هذا كله، مع التسليمِ بغيابِ الودِّ الشعبيِّ العربيِّ مع بلدِه، يجوز حسبانُ زيارته إسرائيل وبعض تصريحاتِه فيها عدوانيةً تجاه العرب، وربما نقعُ، قريباً، على مظاهر هذا الأَمر، ودلائل عليه، في إرباكٍ جديدٍ يطرأ لمصر، تحديداً، في ملف مياه النيل.

Email