«اليونسكو» في فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما كانت مصادفةً أَنْ يتزامنَ حرقُ مستوطنين يهود مسجديْن في القدس وقرية برقة، مع بهجة الفلسطينيين في رفع علم دولتهم، الأسبوع الماضي، في باحةِ منظمة الأُمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، بعد أَن صارت فلسطين العضو 195 في المنظمة الدولية الشهر الماضي.

لكنها ليست مصادفةً أَنَّ إسرائيل تعمَّدَت في الأَيام التي تلت انتصار فلسطين في هذه العضوية إِعلان خطتها هدمَ جسر باب المغاربة الموصل إِلى المسجد الأَقصى، وظلت تهدد بتنفيذ ذلك، إِلى أَنْ أَعلنت إِرجاءَها قرارها هذا، مع إِغلاقها الجسر، بعد تدخلٍ أُردنيٍّ.

والبادي أَنَّ العصابة الحاكمة في تل أَبيب تبعث، في حمايةِ جيشها عدوانية المستوطنين على المساجد، وفي جلبتها بشأْنِ باب المغاربة، رسالةً مؤدّاها أَنَّ عضوية فلسطين المُحتفى بها في «اليونسكو» لن تُغيِّر شيئاً من الحقائق الماثلة على الأَرض، ومنها أَنَّ إِسرائيل لن تكترثَ بأَيِّ جهودٍ لهذه المنظمة الدولية، المعنيةِ بحمايةِ التراث الإِنساني والثقافي، وبحقوقِ أَعضاءِ المجتمع الإِنساني في مزاولةِ شعائِرهم الدينيةِ، وفي حمايةِ أَماكن عباداتهم.

والمهم في هذا الخصوص أَنْ يعرفَ صُنّاعُ القرار الفلسطيني أَنَّ جهداً كبيراً صار مطلوباً منهم لتوظيفِ العضويةِ في «اليونسكو» من أَجل كسب معارك شرسة مع المحتل الإسرائيلي، فيما يتعلق بالإِرث الإنساني والمواقع الدينية والمقدسة في فلسطين، فلا يتم الاكتفاءُ بفرحةِ العضوية، وبالبحث عن أَفراحٍ مماثلةٍ في السعي إِلى العضوية في 15 منظمة أُممية أُخرى.

عشرُ مساجدَ أَحرقها ودمَّرها المستوطنون في فلسطين في أَقلَّ من عامين، وتغيير جسر باب المغاربة خطوةٌ ضمن مخططٍ إِسرائيلي لتغيير المعالمِ التاريخيةِ والإِسلامية في القدس، ومن المحمودِ أَنْ نتذكَّر أَنَّ المجهود العربيَّ في «اليونسكو» حقَّقَ نجاحاتٍ مقدَّرةً في اشتباكاتٍ غير قليلةٍ مع إسرائيل والولايات المتحدة في المنظمة الدولية، والمأْمولُ أَنْ يتواصلَ بالتنسيق مع العضو الفلسطيني، الذي صار من حقِّه المطالبةُ بإِضافةِ مواقعَ أَثريةٍ ودينيةٍ فلسطينيةٍ إِلى لائحةِ التراث العالمي. ونظنُّها معركةَ القدس هي الأَشرس، بالنظر إِلى أَنَّ إِسرائيل تجهدُ لسرقةِ المدينة المقدسةِ بتسجيلِها ضمن ممتلكاتها.

وهي التي بلا تابعيَّةٍ في خرائط «اليونسكو». وفي البال أَنَّ الوزير المصري الأَسبق، فاروق حسني، أَوضحَ إِبان التنافس على منصب رئيس المنظمة الأُممية أَنَّ أَميركا وإِسرائيل تعتبران المرحلة المقبلة في «اليونسكو» مرحلةَ القدس، بتسجيلها أَثراً إِسرائيلياُ في قائمةِ التراث العالمي، في إِطار تصفيةِ القضية الفلسطينية، وإِيجاد واقعٍ جديدٍ على الأَرض في أَثناءِ التفاوض.

وجيِّدٌ من السلطةِ الفلسطينية، ممثلةً بوزارة السياحة والآثار، أَنها أَعدَّت منذ العام 2000 لائحةً تضم 20 من مواقع التراث الثقافي والطبيعي في فلسطين، ستُقدِّمها لإدراجِها على لائحةِ اليونسكو لمواقع التراث العالمي، ومنها الحرم الإبراهيمي في الخليل، الذي أَعلنت إِسرائيل ضمَّه، وأَطلقت عليه اسم «كهف البطاركة»، فيما بدأَت السلطة منذ ثلاث سنوات حملةً من أَجل تسجيل الخليل كلها في لائحة «اليونسكو».

ليس الاحتفالُ، إِذاً، بعضويةِ فلسطين في اليونسكو الموضوعَ الجوهري، بل وجودُ المنظمة الدولية في فلسطين، وبلغةٍ أَوضح، أَنْ تفيقَ من رقدتِها أَمام إِجراءاتِ الاحتلال في استهدافِ المساجدِ والكنائس، وفي سرقةِ الموروث الفلسطيني، وتغيير المعالم التاريخية والثقافية للشعبِ الفلسطيني، والمضيِّ في ضربِ التعليم ومؤسساتِه وجامعاتِه ومدارسِه الفلسطينية، فقد تمادت إِسرائيل في هذا وغيره، وكان أَداءُ «اليونسكو» في مواجهتها بارداً، ويوحي بالتواطؤ أَحياناً.

ولأَنَّ فلسطين صارت لها عضوية كاملة فيها، فإِنَّ المنظمةَ مطالبةٌ، ليس فقط بالتشهيرِ بمثل تلك الأَفعال والجرائم الإِسرائيلية، بل، أَيضاً، بإِسناد الحقوق الفلسطينية والدفاع الجدّيِّ عنها، ومعاقبةِ إِسرائيل بغيرِ وسيلةٍ وصيغة، ما يعني أَنْ توجدَ بفاعليةٍ في فلسطين، فتراقب انتهاكات الاحتلال ضد معالم دينية في القدس والخليل وغيرهما، وهذا بعضُ الرهان عليها بعد رفعِ علم فلسطين في الباحةِ الباريسية الرائقة.

 

Email