عن مؤسسة الفكر العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تصل المتغيّراتُ الحادثةُ في غير بلدٍ عربيٍّ إِلى مداها، ولم يُؤتِ ما سُمِّي الربيع العربي كلَّ ثمارِه، لكنَّ مؤسسة الفكر العربي وجدَت نفسَها، وهي تهيِّئ مؤتمرَها العاشر، الذي اختتم أَعماله في دبي أَمس، أَمام زوابعِ هذا الربيع، وفي مواجهةِ أَسئلتِه العويصةِ على غير صعيد.

لذلك، كان طبيعيّاً أَنْ ينتدي المشاركون في المؤتمر بشأْنِ بعض هذه الأَسئلة، ويجتهدون بشأْنِ الممكناتِ التي يذهب إِليها المشهد العربي، وهو يعرفُ تجاربَ انتخابيّةً تستجدُّ فيها تفاصيلُ مغايرةٌ عمّا كان معهوداً، وهو يخوضُ في سجالاتٍ عن الدولةِ العربيّةِ المرجوّة، وعن الصيغةِ الديمقراطيةِ والمدنيّةِ الحديثةِ التي يتلمسها، وتتطلع إِليها قوىً ونخبٌ وازنةٌ في مجتمعاتِنا. ويحسبُ للمؤسسةِ، وهي المعنيّةُ أَساساً بإِثارةِ أَسئلةٍ واجتهادات، لا بطرحِ توصياتٍ وقراراتٍ دون غيرها، أَنها أَقامت ورشةَ النقاش هذه في الراهِن العربي، ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، بمشاركةِ شبّان ونخبٍ متنوعة، إِلى حدٍّ ما، في خياراتِها وتجاربِها.

ونظنُّ أَنَّ المؤسسة، وهي تواصل مؤتمراتِها السنوية، والمتنقلةِ من بلدٍ عربي إِلى آخر، تضيفُ إِلى رصيدِها نجاحاً طيباً وهي تقترب من موضوعِ الربيعِ العربي وما بعدَه، وتتيحُ فضاءً للحوار المسؤول والجادّ عن مآلاتِ هذا الربيع المحتملة، والمعيقات أَمامه.

وفي البال أَنَّ المؤسسةَ في مؤتمرات بيروت والكويت ومراكش والقاهرة والمنامة، ودبي أَيضاً قبل ست سنوات، لامست قضايا العرب، وتحاوَرت نخبٌ مقدَّرةٌ تحت مظلتها بأَفكارٍ مختلفة، ربما كانت نزعتُها إِلى التغيير في الحال العربي ملمَحها الأَهم. وكان لافتاً من رئيس المؤسسة، الأَمير خالد الفيصل، أَنه أَشار في افتتاحِ مؤتمر دبي، الاثنين الماضي، إِلى ما أَضاءَ عليه، في افتتاحِه مؤتمر مراكش في 2004، من أَشواقٍ عربيةٍ واسعةٍ نحو التغيير.

تتطوَّرُ مؤسسةُ الفكر العربي في تنويعِ اهتماماتِها، وتوسيعِ مشاغلِها، وهذا تقريرُها الرابع للتنميةِ الثقافيةِ يتميَّزُ بمستوىً حرفيٍّ أَكثر دقةً في تيسيرِ معلوماتٍ وحقائقَ موثقةٍ، في شؤونٍ وقطاعاتٍ لم تكن تستثيرُ الانتباهَ العلميَّ الجادّ، والدرس الذي تستحقُّه.

ومن ذلك، كتاباتُ الشبابِ العربيِّ واغتراب اللغة واغتراب الشباب. وليست منسيَّةً المبادرةُ التي تبنَّتْها المؤسسةُ في جهدٍ جماعيٍّ واسعٍ من بيروت، بشأْنِ حمايةِ اللغة العربية ووجوبِ انتسابِ أَهلِها إِليها، في زمنٍ صار خجلُ شبانٍ عربٍ عديدين منها مُحزناً ومُقلقاً، وربما كارثياً.

والمهمُّ في التقرير، الإحصائي والعلمي، والذي يرصدُ الحصاد الثقافي العربي في 2010، أَنَّه يتوفرُ على معطياتٍ بالغةِ الأَهمية، يجدرُ أَن يُدقِّقَ فيها صانعُ القرار في غير بلدٍ عربي، وهي تُسلِّحُ المثقف والباحث العربي في شؤون الاجتماع والمعرفةِ، بذخيرةٍ موثقةٍ من البياناتِ المؤكدة، فتسعفُهما، مثلاً، في استشرافِ ممكناتٍ مستقبليةٍ في قطاعاتِ المعلوماتيةِ ومشاغلِ الشباب العربي.

ولم يبالغْ الأَمير خالد الفيصل في قولِه إِنَّ تقرير مؤسسة الفكر العربي يُنافسُ تقاريرَ الأُمم المتحدة، وفي محلِّه قولُ الأَمين العام للمؤسسة، الدكتور سليمان عبد المنعم، إِنَّ التقريرَ يجيء في وقتٍ تجتاحُ المجتمعَ العربيَّ تغيراتٌ سياسيةٌ واجتماعيةٌ سريعةٌ ومتلاحقةٌ ومفاجئةٌ وعميقة.

أَنْ نعرفَ، مثلاً، أَنَّ الاهتمامَ في الدول العربيةِ بالتعليمِ الفنيِّ والمهنيِّ في المرحلةِ قبل الجامعية شديدُ التواضع، فيما هو مساهمٌ مهمٌّ في دفعِ عجلةِ التنمية، وأَنْ نعرفَ أَنَّ المذهبيَّةَ أَكثرُ القضايا المتداولة في صفحات «فيس بوك» الاجتماعية، وأَنْ نتيَّقنَ من أَنَّ التدنّي في كلماتِ أُغنياتٍ عربيةٍ كثيرةٍ بلغَ حدَّ الانحطاط، فهذه وغيرُها من مظاهرَ غير سارّةٍ في الحال العربي، في الربيعِ وقبله وبعدَه، تُؤشِّر إِليها مؤسسةُ الفكر العربي في تقريرِها المتميز، وإِلى سوءاتٍ أُخرى كثيرة، وتُعرِّفُنا بها، لا لنرتجلَ بشأْنِها تعليقاً عابراً ثم ننساها، بل لتتكاملَ جهودٌ حكوميةٌ ومجتمعيةٌ وأَهليةٌ في درسِها وعلاجِها، ونظنُّ هذه واحدةً من مهمّاتِ مؤسسةِ الفكر العربي في مجهودِها الطيب منذ عشر سنواتٍ ناجحة.

Email