إِضاءَة على ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

طيِّبٌ أَنْ يُقاضى سيف الإِسلام القذافي في بلدِه، ومحمودٌ أَنَّ الحكومةَ الليبية المستجدّة لم تُغْرِها حكايةُ محكمة الجنايات الدولية، وآثرَت إِعمالَ القانون الليبي بشأْنه. والمأْمولُ أَنْ تأْخذَ العدالةُ الليبيّةُ مسارَها في ذلك، بما يُمكِّنُ الحديثَ عن طورٍ متقدِّمٍ من المؤسَّسيَّةِ والاحتكامِ إِلى القانون في ليبيا الجديدة، وفي البال أَنَّ ليبيا (القديمة؟) عانت نحو أَربعةِ عقود ما عانت من غيابِ هذين الاستحقاقين البديهيَّيْن في أَيِّ دولةٍ حديثة. يُؤتى على هذا المأْمول هنا، وقد نُشر أَنَّ ثوار الزنتان (35 ألف نسمة) يرفضونَ تسليم سيف الإِسلام إِلى الحكومةِ المركزية في طرابلس، أَو إِلى المجلس الوطني الانتقالي، وإِذا صحَّ أَنَّهم يُصرِّون على إجراءِ المحاكمةِ في الزنتان، فذلك مؤشرٌ آخرُ على القوةِ النافذة للميليشياتِ المحليّةِ في عموم ليبيا، أَمام ضعفِ السلطةِ قيد التشكُّل، ويدلُّ على ما يشيعُ عن ضغوطٍ قويةٍ يتعرض لها رئيس الحكومة، عبد الرحيم الكيب، من هذه الميليشيات التي تطمعُ في حصصٍ وازنةٍ تُخصًّص لها في السلطة المرتقبة.

نظنه الحرص على سلامةِ سيف الإِسلام كان بادياً عند الإمساكِ به، ولدى نقلِه بطائرةٍ إِلى الزنتان، برفقةِ صحفيين أَجانب التقطوا له الصور وحاوروه، ما قُصِدَ منه إِزاحةُ صورةٍ تعزَّزَت عن فظاعةِ سلوكِ ثوار ليبيا، بعد أَسرِ معمر القذافي وقتلِه بالكيفيّةِ التي صار مؤكداً، ربما، أَنها كانت إِعداماً متعمدّاً، وأَحرجت مسؤولي المجلس الانتقالي، واضطرَّت أَحدَهم إِلى إِعلان أَنَّ تحقيقاً سيجري بشأْن الواقعة، وأَنَّ الذين اقترفوا الفعلة، الشنيعةَ الخارجةَ عن القانون، ستتمُّ محاكمتُهم.

والمرجوُّ أَنْ يَحدُثَ هذا، وإِنْ أَسبابٌ غيرُ قليلةٍ تجعل شكوكَنا غيرَ قليلةٍ، أَيضاً، بنجاحِ مثل هذه المحاكمة، وفي البال أَنَّ تحقيقاً قيل إِنه سيجري بشأْن مقتل قائد قوات الثوار في يوليو/ تموز الماضي، عبد الفتاح يونس، وأنَّ محاكمةً ستجري لقتلتِه الذين جهروا بأَنهم ينتسبون إِلى تشكيلٍ شبحيٍّ اسمُه كتيبة أَبو عبيدة الجراح، ولم نُطالع، بعد، خبراً عن التحقيق والمحاكمةِ المتحدَّث عنهما منذ تلك الواقعة، التي أَشارت إِلى ارتجالٍ وعدم انضباطٍ وتعدّد ولاءاتٍ، لدى كثيرين انتسبوا إِلى نحو 17 فصيلاً مسلحاً توزَّعوا في ليبيا، ومضوا في قتال معمر القذافي شهوراً، حتى قُيِّضَ الإِنجازُ الكبيرُ بإِنهاءِ حقبةِ الدكتاتور المذكور.

مهامُّ ثقيلةٌ أَمام حكومة عبد الرحيم الكيب، يتصدَّرُها سحبُ السلاحُ الميليشاوي الفالت، والذي يتوزَّع حاملوه في مجالسَ عسكريةٍ محليةٍ، ذات ولاءاتٍ عصبيّةٍ بعض الشيء، وقليلةُ الخبرة، ونظنُّ أَنَّ حلَّها، وانضواءَ من يرغبُ من فيها إِلى الجيش الوطني الليبي، خطوتان يحسُنُ الإِسراع إِليهما، للمضيِّ في مشاريع مهولةٍ لبناءِ ليبيا ناهضة. يُؤتى على هذا الأَمر، وقد أَفزعتنا أَخبارٌ عن فظاعاتٍ ارتكبَها بعض الثوار، جاءَت عليها منظمة العفو الدولية التي قالت إِنهم ارتكبوا جرائمَ حرب كما كتائب القذافي، وإِنَّ حكام ليبيا الجدد قد يُكرِّرون انتهاكاتِ حقوق الإنسان التي شاعت في عهدِ العقيد القتيل، وإِنه تمَّ احتجاز 2500 شخص في طرابلس عند السيطرة عليها، في زنازين تعرضوا فيها إِلى التعذيب.

ونُشر أَنَّ ثواراً أَحرقوا منازلَ محسوبين على القذافي في سرت، وأَنَّ نهباً وتدميراً ارتُكبا في المدينة التي تعرَّضَ بعضُ أَهلها إِلى اعتقالاتٍ تعسفية. وتحدَّث محمود جبريل عن بنوكٍ ومؤسساتٍ ليبية زحفَ عليها ثوار، وغيَّروا مجالسَ إِداراتِها من دون رجوعٍ إِلى المجلس الانتقالي أَو المكتب التنفيذي، وأَنَّ 31 مدرسة اتخذَها مسلحون مقراتٍ لهم، ورفضوا استئنافَ الدراسة فيها، على الرغم من استجداءِ وزير التربية والتعليم لهم. وهذه وقائعُ، يُشتهى القطعُ مع مثلِها في ليبيا التي تحتاجُ ورشاً كبرى، على غير صعيد، لتصير دولةً حديثةً مدنيّةً ومتقدمة، وإِمكاناتُها الوفيرةُ وطاقاتُ خبراتِها القديرةِ وعونُ العرب لها، من بعضِ ما يجعلها مؤهلةً إِلى ما نشتهيه لها.

 

Email