في وفاة جمعة الشوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

توفي، الأُسبوع الماضي، أَحمد الهوان (73 عاماً)، المصريُّ الذي تجنَّدَ في مخابراتِ بلادِه في إِسرائيل 11 عاماً، بعد 1967، واشتُهر باسم جمعة الشوان، وخدعَ "الموساد" عندما حصلَ منه لمصر على أَحدثِ جهاز إِرسالٍ في حينِه، وجمعَ معلوماتٍ ثمينةً في صداقاتٍ أَقامَها مع قياداتٍ إِسرائيلية. والمصادَفة، أَنَّ وفاةَ الشوان أَعقبت إِفراجَ القاهرة عن الجاسوس الإِسرائيلي، الأَميركي الجنسية، إِيلان تشايم جرابيل، بمبادلتِه مع 25 محتجزاً مصرياً أَمنياً في إِسرائيل، معظمُهم من أَهالي سيناء.

 ومما تضيئُه حكايتا الشوان وجرابيل، أَنَّه في زمنٍ مضى كان اعتناءٌ بأَهميّةِ تواجدٍ استخباريٍٍّ مصريٍّ في إِسرائيل، لا نُخمِّنُ أَنَّه راهنٌ ومستمر، فيما نشاطُ الدولةِ العبرية في زرعِ جواسيسَ لها في مصر متواصلٌ ودؤوب، بدلالةِ أَنَّ جرابيل أَحدُ أَربعةِ جواسيس، بينهم أُردنيُّ، كشفتهم المخابراتُ المصرية بعد ثورة 25 يناير.

وإِذ بطولةُ جمعة الشوان الفريدة يجب أَنْ تُحْمى من النسيان، وقد جاءَ عليها مسلسلٌ تلفزيونيٌ، نجمُه عادل إِمام، فإِنَّ حكايةَ جرابيل تستنفرُ رزمةَ دروسٍ للمصريين وكل العرب، وتجدر هنا التثنيةُ على الجهدِ الاستثنائيِّ في القبض على هذا الرجل، وهو أَولُ جاسوسٍ إِسرائيليٍّ تُمْسِكه القاهرة منذ 50 عاماً. ففي التفاصيل أَنَّ المخابراتِ المصرية كانت تحصلُ، بشكلٍ فوريٍّ بمراقبةِ حاسوبِه الشخصي، على المعلوماتِ التي كان يبعثها.

يدلُّ إِرسال "الموساد" إِيلان جرابيل، وهو ضابطٌ أُصيبَ في حرب لبنان 2006، في اليوم الثالث لبدءِ ثورة يناير، إِلى القاهرة، على أَنَّ إِسرائيل مهجوسةٌ بجمعِ معلوماتٍ حيّةٍ عن الثورةِ وقواها وشبابِها، ومهتمةٌ بتجنيدِ مصريين للتجسُّس لها، وهذه كانت بعض مهمّاتِ هذا الشخص الذي يعرفُ العربيّةَ الشاميّة، وكان يتنقل في ميدان التحرير والأَزهر ومقاهي المثقفين والملاهي الليلية.

والبادي أَنَّ مهماتِه موصولةٌ بمثيلاتٍ لها على غير صعيدٍ، كُلفت بها 50 شبكة تجسُّس إِِسرائيليةٍ كشفتها القاهرة، تمَّ فيها توقيفُ 70 جاسوساً، أَغلبُهم مصريون، منذ توقيع معاهدة السلام في 1979، والتي عدَّها رئيسٌ سابق للموساد نقطةَ تحولٍ رئيسيةً في عمل الاستخبارات الإِسرائيلية. ولسنا نعرفُ ما إِذا كان مباهاةً فارغةً كلامُ عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخباراتِ الحربيةِ الإِسرائيلية، عن مصر ملعباً أَكبر لنشاطات الموساد، وعن خططٍ مرسومةٍ منذ 1979 نجحت في تنفيذِ اختراقاتٍ سياسيةٍ وأَمنيةٍ واقتصاديةٍ وعسكريةٍ في مصر وغيرِها.

وإِذ زعمَ المذكورُ أَنَّ مخابراتِه نجحت في "تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي في مصر"، فإِننا لا نعرفُ، أَيضاً، ما إِذا كان رداً منفعلاً على هذا الكلام، أَم قولاً صحيحاً، حديثُ اللواء سامح اليزل عن جواسيس لمصر في إِسرائيل أَكثرُ حنكةً من عملاءِ الموساد الذين يجري كشفُهم.

لا تنشغلُ هذه السطور بحسمِ الصحيحِ وغيرِ الصحيحِ في هذه الأُمور الحسّاسة، لكنها تُؤكد أَنَّ مصر ومستقبلها وأَمنها مستهدفون من الأَجهزةِ الإِسرائيلية ذاتِ الجهد الأَخطبوطيٌّ في ذلك، ففي مثلِ هذه الأَيام قبل عام، كشفت القاهرةُ خلية تجسُّسٍ على شبكات الاتصال في مصر وسوريا ولبنان، تمكَّن العميل البارز فيها، طارق عبدالرازق، من تجنيدِ مسؤولٍ سوريٍّ أَمني، وطلبَ الموساد من عبدالرازق، والذي ارتبطَ بالعمالةِ في الصين، تقاريرَ عن موظفين مصريين كبار في شركاتِ الهاتف المحمول، لانتقاءِ جواسيس منهم، ويُشابِه جهدُ الموساد هذا مثيلَه بشأْنِ شبكاتِ الاتصال والهواتف في لبنان...

تذهب بنا وفاةُ جمعة الشوان، وكذا الإِفراجُ عن جرابيل الذي طلب عضو في الكونغرس ربط زيادة المساعدة الأَميركية لمصر بإِطلاقه، إِلى أَرشيفٍ غزيزِ الخطورة، عن تجنيدِ إِسرائيل عملاءَ في مصر لتتزوَّدَ منهم بمعلوماتٍ ميدانيةٍ محدَّدة، لا تُيَسِّرُها دراسات المراكز المختصّة التي فوجئت، مثلاً، بثورةٍ نجحت في مصر، اضطرَّت إِسرائيلَ إِلى إِرسال جرابيل وغيرِه إِلى القاهرة، ذكَّرتنا بهم، وبعملاءَ عديدين سبقوهم، وفاةُ جمعة الشوان، رحمه الله.

Email