أَميركا ستيف جوبز جندلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مقاديرُ غزيرةٌ من الإِدهاش في سيرة ستيف جوبز الشائقة والمثيرة، والهوليوودية والماركيزية. ومن دون شططٍ، هي قصة أَميركيةٌ تماماً، فمن غير الميسور حدوثُها في غير فضاءِ السحر الأَميركي.

حيث المنافسةُ والفردانيةُ والمغامرةُ، عناوينُ أَجدى من أَي خياراتٍ أُخرى. في حياة هذا الرجل إِبداعٌ ودراما، وخيطٌ من حزن شفيفٍ وغافٍ، وتألقٌ ونجاحٌ كثيران. يبدأُ هذا كله منذ ولادتِه من والديْن غير متزوجيْن، ولا ينتهي بوفاتِه، الخميسَ الماضي، عن 56 عاماً، مريضاً بسرطانٍ نادر في البنكرياس، لأَنَّ منجزاته تحوطنا في حياتِنا اليومية، نحنُ أَبناءُ العائلة البشريةِ في كل مطارحِ العالم. ولذلك، كانت في محلها مراثيه بأنَّه ممن غيَّروا في العالم الذي خسر بوفاتِه شخصاً فريداً ونادراً، وأنه، بحسبِ باراك أوباما، أَحد عظماء أَميركا.

ولن يكون مفاجئاً أَن تنفدَ في أَيامٍ ملايينُ النسخ من كتابِ سيرة ستيف جوبز، المقرر طرحُه 24 الشهر الجاري. فبمقدار ما كانت إِبداعاتُه في عالم الكمبيوتر استثنائيَّة، كانت حياتُه بالغةَ الاستثنائية أَيضاً. وإِذ تزمع شركة سوني الحصول على حقوقِ إِنتاج فيلمٍ يستندُ إِلى الكتاب، فسيكونُ نجاحُه كاسحاً، سيّما إذا قبض على الجوهريِّ في حياةِ العبقري الراحل، أَي ولعه بإِتقان العمل.

تركته أُمه الأَلمانية الأَصل رضيعاً في منزلٍ للتبني، عند أُسرةٍ أَرمنيةِ الأَصل في بنسلفانيا، وكانت قد أَنجبته من صديقِها الذي أَحبته في الجامعة، السوري القادِم إِلى أميركا عبد الفتاح جندلي، قبل أَن يتزوجا وينجبا ابنتَهما منى التي صارت روائية معروفة.

وصرنا نعرف أَن والدها يملك كازينو قمار في أَميركا، وكان أُستاذاً جامعياً في العلوم السياسية، وقدم إِلى الولايات المتحدة بقناعاتٍ عروبيةٍ قومية، صيَّرته في يفاعتِه رئيس جمعية العروة الوثقى، إِبان دراستِه في الجامعة الأَميركية في بيروت.

أَما الابن الذي لم يلتق أَباه البتة، فقد أُصابه شغفٌ مهولٌ بالكمبيوتر، لمّا كان تلميذاً، وفي منزل والديه الجديديْن بول وكلارا هاكوبيان. ولم ترق له دروسُ التاريخ والجغرافيا والفلسفة في كليةٍ انتسبَ إِليها في ولاية أَريغون، فاكتفى منها بدروس الكمبيوتر الذي عمل فنياً في شركة مختصةٍ به ذات إِجازةٍ صيفية. عاقبه والداه هاكوبيان، اللذان كانا قد غيّرا اسمه سمير الذي أَعطته إِياه أُمه، وهي أُستاذةٌ جامعية في اللغات، إِلى ستيف، بحجبِ مصروفِه.

فاضطرَّ إِلى بيعِ زجاجاتِ كوكاكولا فارغة، وإِلى أَكل ساندويشات بالمجان في معبدٍ هندوسي. أخذته الهيبية قليلاً في يفاعةِ السبعينيات الأُولى، ومكثَ في الهند شهوراً، وراقته البوذية التي تلقى فيها دروساً هناك. ولمّا عاد، صار التحول الجوهريُّ في حياته، لما أَنشأَ مع صديقٍ وأُستاذٍ له شركة "أَبل" للكمبيوتر، بشعارِها الشهير، التفاحة المقضومة، وذلك في مرآبِ ســـــياراتٍ لعائلة هاكوبيان.

نجاحاتُ ستيف جوبز في الموبايل والكمبــــيوتر والسينما الرقمية باهرة، في "أَبل" التي غادَرها فترة كسادِها ثم عاد إِليها فأَنقذها، وفي شركة بيكسار التي أَحدثَ فيها ثورةً في إِنتاج أَفلام الكرتون، وأَنجز فيها أَول شريط تحريكٍ يتم تنفيذُه بالكمبيوتر.

ومن إبداعاتِه أَجهزة آي فون الذي غيَّر في الهـــاتف المحمول، وآي تونز الذي غيَّر في صناعة الموسيقى، وآي باد الذي تداخل فيه الموبايل مع الكمبيوتر، وغير ذلك من لمساتٍ فاتنةٍ في الكمبيوتر الشخصي ذاتِ جاذبيةٍ أَخّاذة، وكــــلها دلَّت على عبـــــقريةٍ فريدةٍ في مزج الـــفن والتصمـيم بالتكنولوجيا.

لم ينشغل، في أثناءِ انقطاعِه إِلى هذا كله وغيره، بغير الإِتقان المطلق، ولم يبدُ أَنَّه كان معنيّاً بأَصلِه وفصلِه، فقد قرأْنا أَنَّه لم يرد على رسالةٍ تلقّاها من والده جندلي. هزم المرضَ القاسي في إِبداعٍ ساحرٍ تأَلق فيه، ويجوزُ القول إِنَّ في قصّة نجاح ستيف جوبز، أَو سمير عبد الفتاح جندلي بحسبِ سوريين نعوه باعتبارِه ابنَهم، بعض قصة نجاح أَميركا.

 

Email