«ويكيليكس» أيضا وأيضا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل حدثَ أَنَّ مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان إِسماعيل، تحدَّث مع مسؤول أَميركي عن عدم ممانعة بلادِه إِقامة علاقاتٍ مع إسرائيل؟ وهل صحيحٌ أَنَّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أَبلغ السفير جيفري فيلتمان استحسانَه الحرب الإِسرائيلية على حزب الله في تموز 2006؟ وهل باح مسؤولون أُردنيون، سابقون وراهنون، من أَصلٍ فلسطيني، بمكنوناتِهم أَمام السفير الأَميركي في عمان عن تمييزٍ قالوا إِنه يحدُث لصالح المواطنين الشرق أُردنيين؟ هذه الأَسئلة.

وأخرى غيرُها، تبيحُ طرحَها وثائقُ أَميركية نشرَها موقع "ويكيليكس" في دفعةٍ جديدةٍ قبل أَيام، فأَشعل جدالاتٍ واسعةً في عمان وبيروت، ما زالت محتدمةً بشأْن هوية المواطن الأُردني وولائِه وصدقيّةِ مواقفِ النخب السياسية اللبنانية. وفي الخرطوم، يثيرُ خصوم النظام أَسئلةً عما إذا كان مستعداً للذهاب إِلى خطوةٍ مثل الصلح مع إِسرائيل في مقابل استمرارِه.

والجوهري في جديد وقائع "ويكيليكس" السودانية واللبنانية والأُردنية، أَنها تؤكد ما تبدّى في الوجبات الأولى من الوثائق الأَميركية التي نشرها الموقع الشهير، وهو أَنَّ المسؤولين العرب صريحون إِلى حدٍّ مدهش مع المسؤول الأَميركي، يأخذون راحتهم في الكلام المسترسل معه وإِسماعِه كل ما في خواطرهم وجوارِحهم، وفي أَي شأن، من دون اعتبارٍ لحساسيَّةٍ في هذا المطروح ووجوبِ التحفظ في ذاك.

زادت مقاديرُ التسليةِ في لعبة المشهد اللبناني، لمّا تلقَّفَ حزب الله ما أَنبأَ عنه بعض وثائق "ويكيليكس" من تشجيعِ وزراءِ ومسؤولين ونوابٍ، للأَميركيين على حثِّ إِسرائيل أَن تواصل ضربَها حزب الله حتى إِنهائِه. قال بعض خصوم الحزب إِنَّ الوثائق غير دقيقة، وعمد بعضُهم إِلى نشر "الحقيقيِّ" من هذه الوثائق في جرائِدهم، وفي الأَثناء، أَشاع حزب الله أَنه سيقيمُ دعاوى قضائيةٍ بتهمةِ خيانة البلاد، متسلحاً بـ"ويكيليكس" دليلاً.

وإِنْ هي إلا أَيام حتى دوهم الحزبُ بنشر صحيفةٍ مقربةٍ منه وثائقَ من الموقع العالمي، تتضمن أَقوالاً لشخصياتٍ تناصر خيارات حزب الله ومقربة منه ومتحالفة ومتعاطفة معه، تفوق في إِساءاتِها له بعضَ ما يُشيعُه خصومه، وتردَّد في الأَثناء أَنَّ قيادة حزب الله أَصرَّت على استبعاد ترشيح وزير سابق من حركة أَمل ليكون وزيراً في حكومة نجيب ميقاتي، الذي أَصابه "ويكيليكس" ببعض الإِحراج أَيضاً. وفي غضون هذا الطور الجديد من التراشقات الذي أحدثه "ويكيليكس" في الجرائد والفضائيات اللبنانية.

وتباري كل أطرافها في إِشاعة تهديداتِها بنشر "الحقائق وكشف المستور"، طرأَ ضجرٌ غزيرٌ من ملاحقةِ هذا الصخب، حتى إِذا أَصابت شظايا "ويكيليكس" نبيه بري، وهو من هو في التحالف مع حزب الله، صارت للقصةِ مساراتٌ أُخرى، يُقال إِنَّ اللاحق منها سيتضمن فضائحَ من النوع الثقيل ستنكشفُ في وثائقَ ومحاضرَ سينشرُها بري أمام اللبنانيين، ويحضر فيها لاعباً كبيراً وساردا أَساسياً، وهو الذي نفى "أَكاذيب فيلتمان".

سَلِم الجميع في الأُردن من وجبات "ويكيليكس" الأولى، غير أَنَّ جديدها أَحدثَ دوياً صاخباً، سيما وأَنَّ موضوعة الهوية والمواطنة شديدة الحساسية، وإِنْ صار يجوزُ الخوضُ فيها في الصحافة المحلية، بكيفيّاتٍ عقلانية، وليس من اللائقِ ولا من الحصافة وأَخلاق العمل السياسي النظيف، أَنْ تتم الثرثرة فيه بفرشِ البساطِ أَحمديّاً مع السفير الأَميركي ومَن دونَه مِن موظفيه. يشتعلُ الحديث في عمان عن هذا الأَمر، ويستهجنُ بعضه جلوس سياسيين أَردنيين على "كرسيِّ الاعتراف" الأَميركي، وتذهبُ اجتهاداتٌ إِلى أَنَّ هذا السلوك يمسُّ السيادة الأُردنية في واحدٍ من وجوهها. نُطالع هذه التفاصيل.

وفي أَثنائِها تلك التفاصيل اللبنانية، وفي انتظار المزيد عن التفاصيل السودانية، ونحن في دهشةٍ من هذه "الخوشبوشية" الحميميّة بين المسؤول العربي، أَياً كانت وظيفتُه ومرتبتُه، والمسؤول الأَميركي، أَياً كانت وظيفتُه ومرتبتُه... ورطةُ أَصحابنا أولئك، أَنَّ صاحبَهم الأميركي هذا لا تبتلُّ في فمه فولة، و"ويكيليكس" ناقلُ الكفر ليس كافراً.

Email