نحو علاقات تجارية دولية متكافئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنها حقيقة ساطعة، أن الأزمات الاقتصادية والمالية الكونية التي شهدها العالم مؤخرا، أثرت على جميع الدول في شمال المعمورة وجنوبها، الغنية منها والفقيرة.

كما يشهد العالم تحديات في أمن الطاقة وأمن الغذاء، وتحديات مناخية تسببت في كوارث طبيعية في بقاع مختلفة من العالم، وهددت الأحوال المعيشية للمجتمعات البشرية على نطاق واسع، مما يستوجب أن تقف الأسرة الدولية أمام هذه التحديات الكونية، والتي من أبرزها الأزمات الاقتصادية الأخيرة التي كانت الأسوأ منذ أجيال، وتهدد بتراجع الاقتصاد العالمي وما تحقق على الصعيد التنموي في دول كثيرة، وهي بذلك تفقد كثيرا من الشعوب الثقة في النظام التجاري العالمي.

ويرى خبراء منظمة التجارة العالمية، أن الأزمات الاقتصادية في الأعوام الماضية، سببت في انخفاض حجم التجارة بأكثر من 10%، وذلك من أسوأ المعدلات على امتداد حقبة ما بعد الحرب العالمية.

ولقد سعت المنظمة إلى الرصد عن كثب لتطور السياسات التجارية للدول، وذلك بهدف تأمين الشفافية وسهولة الحركة التجارية الدولية. وبفعل الأزمات الاقتصادية العالمية، انتشرت أزمات البطالة في كل أرجاء المعمورة، بما فيها الدول العربية، والتي بذلك كانت أحد أسباب الانتفاضات في منطقتنا. وأعلنت منظمة العمل الدولية من جراء ذلك، أن ارتفاع البطالة سبب معاناة اجتماعية متزايدة، من شأنها أن تؤثر على التنمية التي تحققت في بعض الدول الفقيرة.

إن التحديات الراهنة أمام المجتمع الدولي، تتطلب تحقيق الحكم الرشيد على مستوى السياسات المالية، مما يستوجب عملا دوليا مشتركا لتحسين نظم المؤسسات المالية، وتطوير الأسس المحاسبية لهذه المؤسسات.

فالأزمات المالية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، استوجبت من النظام العالمي توسيع جهوده متعدد الأطراف، ولذلك لم يعد يبحث مثل هذه القضايا في مجموعة الدول الثماني الغنية فقط، وإنما توسعت لتبحث في مجموعة العشرين التي شملت، إلى جانب ممثلي الدول الغنية المتقدمة، ممثلين عن الدول النامية والذين أكدوا أهمية الوقوف أمام أزمة الغذاء العالمية، والحاجة إلى جذب الاستثمارات في المجال الزراعي لزيادة الإنتاج الغذائي، كما أكدوا الحاجة لمساعدة الدول النامية لتحصل على فرصتها في المنافسة في الأسواق العالمية.

إن مجموعة العشرين تمثل إطارا أكثر شرعية دوليا، وتعكس بطريقة أفضل اليوم واقع الجغرافيا السياسية. إن مثلث الحكم الكوني التجاري، يتمثل الضلع الأول منه بمجموعة الدول العشرين، والضلع الثاني بالمنظمات الدولية المتخصصة، بما فيها منظمة التجارة العالمية، والضلع الثالث تمثله دول العالم مجتمعة والبالغ عددها 192، المكونة للأمم المتحدة.

وهذا المثلث الاقتصادي بأضلاعه الثلاثة، يوفر للعالم صيغة مناسبة لتأكيد مصداقيته تجاه أي مساءلة.

فنحن نحتاج إلى صيغة جديدة للدول العشرين، بحيث تدرك أنها ستكون مساءلة أمام الأمم المتحدة كبرلمان لدول العالم الـ192، حتى نحقق الحكم الرشيد على المستوى الكوني. إن الأسرة الدولية لا تحتمل أن تفشل في تحدياتها الاقتصاية الراهنة، مما يستوجب تعزيز السياسات متعددة الأطراف اقتصاديا، وذلك يتطلب قيادة عالمية ذات إرادة وعزيمة واضحتين.

إن الخطوة الأولى في التنمية المستدامة، تقتضي الوصول إلى خلاصات ونتائج إيجابية للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف. وينبغي توجيه رسالة واضحة لمجموعة العشرين، باعتبارها مؤشرا جديدا في النظام العالمي، كونها تختلف عن مجموعة الثماني المقتصرة على الدول المتقدمة، حيث تشكل مجموعة العشرين تمثيلاً للكتلتين معاً؛ الدول المتقدمة والدول النامية.

وأن تكون هذه الرسالة لمجموعة العشرين قوية، وتطالبها بتحقيق هدفين؛ الأول هو الاتفاق على برنامج عمل في الفترة القادمة على مستوى المجموعات التفاوضية المختلفة، والثاني هو الشروع في تناول العناصر الخلافية في المفاوضات التجارية متعددة الأطراف، وذلك في ضوء ما تم التوصل إليه حتى الآن.

Email