على ماذا؟ ولماذا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت الوثائق السرية، التي بدأت قناة «الجزيرة» بنشرها قبل أيام، الكثير من اللغط والسجال. واللافت أن الإسرائيليين التزموا الصمت، وكأن الأمر لا يعنيهم، أو كأنهم مغتبطون من المأزق الذي باتت فيه السلطة الفلسطينية.

صحيح أنه في حال لم تتأثر السلطة الفلسطينية بهذه الفضيحة فإنها ستمضي قدماً، وبخطى أكثر ثباتاً، نحو تطبيق ما تصر على أنه «مجرد أفكار». أما إذا «اهتزت» وتراجعت، فهذا ينسجم مع توجه الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتانياهو، والتي رغم كل هذه العروض السخية من جانب المفاوض الفلسطيني، كانت ترفض وتدفع المفاوضات نحو الانهيار.. بهدف اصطياد عصفورين: دفع السلطة الفلسطينية إلى المزيد من التساهل، وثانياً، إحراج الرئيس الأميركي باراك أوباما وابتزاز إدارته.

ومع كل الصخب الذي أثارته «الجزيرة» بوثائقها الجديدة، إلاً أنها من حيث الجوهر لا تحمل أي جديد يعتد به.. فالصحافة الإسرائيلية تنشر كل شيء، وأي متابع بعيون واعية يعرف أين يقف طرفا المفاوضات، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، وهو ما تفتقت عنه ذهنية الراعي الأميركي منتصف العام الماضي.

حركة «فتح» كان ردها متوتراً ولا ينسجم مع الحدث، فهي لم تغضب لما تتضمنه الوثائق من تفريط في الحقوق والمبادئ والمسلمات الوطنية، ولم يستفزها من كل ما قيل سوى أن هناك «مؤامرة» قطرية إسرائيلية، لاغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس سياسياً!.. ولم يجب أحد عن مؤامرة اغتيال القضية الفلسطينية.. أرضاً، ومقدسات، وحق عودة، ومياها، وسماء.

وما الزوبعة التي أثارتها «الجزيرة» بوثائقها المسربة، ومن قبل موقع ويكيليكس الالكتروني، سوى استفادة من ازدواجية في الشخصية العربية، التي تصرح للإعلام ولشعبها بغير ما يقال على انفراد وفي المكاتب المغلقة. وقبل «الجزيرة» و«ويكيليكس»، كانت السير الذاتية للراقصات والفنانات تثير فرائص السياسيين.

الرئيس عباس دافع عن نفسه دفاعاً ضعيفاً، فهو لاذ بالقادة العرب «هم يعرفون كل شيء»، كما قال. ولكنه تناسى أن الجهة الوحيدة التي يجب أن تعرف هي الفلسطينيون، وهم في الحقيقة الجهة الوحيدة التي لا تعرف.

فالفلسطينيون هم المعنيون بالمفاوضات، سواء أثمرت أم انتكست. وهؤلاء الذين يعتبرهم الرئيس الفلسطيني سلاحه الأخير، عبر تهديده قبل أيام لإسرائيل، أو تحذيره من مغبة تفجر انتفاضة أو ثورة جديدة، أحق من أي كان بالاطلاع على ما يجري.. لا أن يفاجأوا.

فماذا سيكون عليه الحال لو أن «الجزيرة» كانت على وئام مع السلطة الفلسطينية؟ الجواب: كنا سنبقى زي الأطرش في «المفاوضات». وهذه هي الخلاصة المؤلمة فعلاً، فالفلسطينيون وجدوا أنفسهم وسط طوفان من الأوراق، وباتوا مقتنعين بأنه ينطبق على المفاوضات المثل العربي الشهير: «مولد وصاحبه غائب».

وفي هذا تحضرني مقولة الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي كان يصف الجولات التفاوضية مع الحكومات الإسرائيلية بـ «حوار الطرشان»، لكن يبدو أن الطواقم التفاوضية الفلسطينية تناست أن قوتها تزداد بتزايد المساندة التي تلقاها من قاعدتها الجماهيرية، وهذا لا يتأتّى إلا بإحساس هذه الجماهير أنها رقم ذو تأثير، وذات وزن مُعتبر في ما يجري، وأنها الرقيب على ما يجري في الغرف التفاوضية، سواء فوق الطاولة أو تحتها.. وليست مجرد ورقة للمساومة، أو التهديد.

من حق الشعب الفلسطيني أن يقول كلمته في ما يجري التفاوض حوله، سواء خلال الجولات والصولات التفاوضية أو بعدها ولكن قبل أي توقيع.. فالاستفتاء حق، وحق، وحق.. ولا شرعية لأي اتفاق إلا بعد موافقة الشعب.

هذا ما التزمت به الحكومات الإسرائيلية لشعبها منذ منتصف عقد التسعينات، وهذا ما يريده الفلسطينيون.

Email