الفقد أكثر إلهاماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إننا لا نشعر بقيمة الأشياء حقاً إلا بعد خسارتها، وهو ما لا يمكننا نكرانه، أو نكران الشعور بألم الفقد والحنين أحياناً، وشيء من الفراغ يخلفه ذاك الشيء، أو الشخص، مهما كان حجمه أو قيمته.

الغريب.. أننا جميعاً ندرك قيمة الأشياء قبل الحصول عليها، قبل امتلاكها.. خصوصاً تلك التي تستدعي اهتماماً خاصاً، وبذلاً وعطاء استثنائياً، فنمنحها كل ما بوسعنا، وما لنا من قدرة على العطاء لأجل امتلاكها، لكأن الحصول عليها يعني لنا العالم بأسره، وعكس ذلك يبقينا في دائرة حرمان لا يمكننا الخروج منها أو تعويضها بأمر آخر، حتى يتكفل الزمن طال أو قصر، بمسحها من ذاكرتنا، أو يأتي مطلب أكبر يغيبها ويحجمها في قلوبنا وعقولنا.

الحقيقة.. أننا عند فقد الأشياء أو الأشخاص، نكتشف الوجه الآخر لهم، وجه جديد.. حقيقي ربما، سقط عنه قناع المثالية الذي ارتدوه، أو ألبسناه نحن لهم بمحض إرادتنا ورغبتنا في رؤيتهم بالمثالية تلك، فنراهم في البعد من على مسافة.. كما لوحة فنية يتعين النظر إليها من بعيد، كي لا نتعلق بالتفاصيل الصغيرة، وننسى الصورة الكاملة والمعنى الحقيقي، والأعمق.

في الفقد، يفقد البعض صبره، أو اتزانه، والبعض الآخر يفقد هويته تماماً، ويصبح شخصاً آخر، نقيض ذاك الذي يعرف كل معاني الأخلاق والقيم، يغدو مخلوقاً جديداً غير الذي ألفناه في القرب، ذاك الذي طالبونا به لنعرف الآخر على حقيقته وأوهمونا أنه وحده الكفيل بمعرفتنا للآخر، القرب، ولا شيء غيره.

لكن.. من جرّب الابتعاد، عرف حقيقة الآخر في القرب، وعرف تماماً معنى الفقد وقيمته.

Email