صوت المؤذن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا وفداً سياسياً، والطائرة إلى بغداد تحلّق على ارتفاع ثلاثين ألف قدم، بين العصر والمغرب، وجو رمضان لا يمنعنا من الكلام السياسي، ووجهتنا رئيس الحكومة العراقية آنذاك نوري المالكي.

في بغداد مباحثات، وأخذ وعطاء. بعدها جلس الجميع إلى مائدة الإفطار الرسمية، كنا في المنطقة الخضراء، سمعنا الأذان الأول، بعض وفدنا ووفدهم أفطر، والبعض الآخر لم يفطر بانتظار أذان آخر، والمشهد من ناحية بروتوكولية محرج جداً.

ساد الوجوم مائدة الإفطار الرسمية، إذ كيف يفطر البعض والآخرون ينتظرون؟ فمن ناحية دينية مفهوم السبب، ومن ناحية سياسية محرج الأمر جداً، سمعنا الأذان الثاني المتأخر قليلاً دقائق عدة، أفطر الجميع، والذي كان يمتنع لاعتبارات فقهية عن الإفطار على أساس الأذان الأول عاد وأفطر بكل يسر.

كنت أفكر لحظتها في أمر واحد، كيف يمكن للعرب أن يتفقوا على قضايا سياسية كبرى، وهم لا يتفقون على موعد الأذان لاعتبارات مذهبية وخلافات فقهية؟!

الفرق بين كل أذان بضع دقائق تختصر كل الرواية والحكاية في العالمين العربي والإسلامي، وقصة الأذان المفترض أن يوحد الجميع إشارة إلى بقية القضايا، فهذه الأمة الواحدة على ما هو مفترض تعاني إشكالات عميقة كثيرة، أبرزها تشظي الروح الجمعية، على أساس فقهي أو سياسي، أو لأي سبب آخر.

لا يمكن أن نجد حلاً لترميم الروح الجمعية بهذه البساطة التي يظنها كثيرون، فقد تسللت أمراض المذهبية، وتجذرت الانقسامات تحت وطأة الصراعات والمناكفات والعبث، والمستقبل لا يؤشر إلى خير، بل على العكس يقول ما هو أسوأ.

غادرنا بغداد ليلاً، وفي وجداني ألم كبير، فحتى الأذان بات سبباً للخلاف، لكنك تقرأ خلف كل القصة، تشظية للروح، طولاً وعرضاً.

 

Email