سوريا أولاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

الآن يدفع السوريون كلفة ثقافة زائفة. الهروب الجماعي ليس فقط نتيجة حملات القمع والتعذيب من قبل النظام، وخصومه من العصابات.

شعوب عربية تعرضت إلى موجات شرسة مماثلة من التنكيل والتقتيل والتدمير، لكنها تشبثت بتراب الوطن. هناك حالات آثر البعض فيها الخلاص الفردي، غير أن التسلل من الوطن لم يتخذ ظاهرة الفرار الجماعي على النهج السوري.

الحرب الأهلية اللبنانية بفصولها الطائفية والإقليمية المتشابكة، بما في ذلك الاجتياح الإسرائيلي لم تفرز مثل تلك الظاهرة. اللبنانيون مارسوا حراكاً داخل مساحة الوطن الصغير أكثر من ممارسات اقتلاع الجذور.

الفلسطينيون اكتشفوا أهمية الصمود أمام حملات التقتيل والتشريد والتهجير على نحو يغالب موجات الخروج المبكر إلى المخيمات والمنافي.

العراقيون تعرضوا لأشكال من التعذيب والإبادة والتصفيات الجماعية، لكن خيار البقاء بين الرافدين يغلب على التسلل والانتشار في بقاع الغرب، كما لا أحد ينكر وطأة الجحيم في الشام، فلا أحد يشكك في وطنية السوريين. مفصل الأزمة يتجسد في ثقافة زائفة ظل النظام يضخها عبر كل القنوات المتاحة على صعيد التربية والتعليم والثقافة والإعلام، تلك ثقافة تغليب »القومية« على الوطنية. تلك ثقافة فوقية إملائية أكثر من كونها صناعة شعبية. النظام أخطأ عندما لم يعترف بمكونات النسيج السوري على نحو يشكل شعباً. وماكينات النظام كرَّست سوريا »قُطراً« وليس »وطناً«.

عندما عجز النظام عن بسط هيمنته المألوفة اكتشف الشعب زيف الثقافة القومية المملاة. عندما لم يجد المواطن الدولة اضطربت علاقته بالوطن. ذلك خطر كانت نخبة من المثقفين حذرت من مغبته، عندما رفعت شعار »سوريا أولاً«، فقابلها النظام بالتخوين تحت البراميل المتفجرة، وبين الأنقاض في مدن الأشباح اكتشف السوريون وهن الانتماء للقطر والوطن.

قطاع عريض اكتشف في أتون الأزمة أهمية إعادة صياغة ثقافة وطنية جديدة محورها »سوريا أولاً«.

 

 

Email