سياحة الدم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحرب ليست كلها شراً. كارل فون كلاوزفيتز وصفها بأنها ممارسة السياسة بوسائل غير دبلوماسية.

كذلك يمكن القول إن الحرب ممارسة للتعليم والتثقيف بوسائط خارج المناهج التقليدية. ربما هي كذلك وسيلة لتوحيد المشاعر.

نحن العرب نتعرف إلى أقطارنا وفسيفسائنا الإثنية والطائفية تحت غبار الحرب أكثر مما نتعلم في ظل السلام.

إبان الحرب اللبنانية »القذرة«، ثبتت أحياء بيروت وشوارعها في مخيلتنا دون رؤيتها. في جولة سياحية طوال 16 سنة تعرفنا إلى المدينة من سن الفيل شرقاً إلى الأوزاعي غرباً، من الضاحية الجنوبية إلى نهر الكلب شمالاً مروراً بخط التماس بين شطري المدينة عند المتحف وعين الرمانة.

في أتون الحرب العراقية الإيرانية، تعرفنا إلى جغرافية العراق الشرقية، إذ ظلت أسماء بعينها تتردد صباح مساء الأعوام الثمانية. السياحة القسرية طبعت في ذاكرتنا محاور القتل المجنون من جزر مجنون جنوباً إلى بيجي في الشمال مروراً بالخفاجية، السماوة، العمارة، الفاو، الحمرة ودهوك.

قبل تجرع الخميني »الكأس المرة«، أضافت هذه الحرب مصطلحات عسكرية غزيرة. الإضافة لم تقتصر على الأسلحة من طراز »كدس عتاد« إلى طائرات السوخوي، نورثروب أو دبابات سكوريبون، بل كذلك »حرب المدن« و»حرب الناقلات«.

في خضم الحرب، اكتشفنا فسيفساء النسيج الاجتماعي الليبي من الهوارة، الزنتان، التاورغاء، الصناهجه، بنو سليم وبنو هلال أكثر من أمكنة طبرق، مصراتة، البيضاء وبراك الشاطئ.

جغرافية سوريا ارتسمت من الغوطة، داريا ودوما في ريف دمشق إلى الخالدية في حمص وباب السباع خارجها إلى منبج وباب الهوى ناحية حلب. الريف السوري كله أصبح مألوفاً، إدلب، تدمر، معرة النعمان، بصرى وإزرع.

في حرب اليمن تطبعنا على أحياء عدن، التواهي، كريتر ودار سعد، إضافة إلى العند ددنا المخا، المحاويل، الحوطة، لودر وزنجبار.

هكذا يكون للحرب وجه آخر على الأقل في الوطن العربي.

Email