شيفرة سرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كلام الله عز وجل قوله ..«ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً»، وإطعام المحتاجين سمة نورانية، وبعض قبائل العرب حازت مكانتها جراء إطعام الحجاج وسقايتهم.

ويحكى أن أقصر خطبة في تاريخ المسلمين كانت للشيخ عبدالقادر الكيلاني في بغداد، وهي من تسعة وأربعين كلمة فقط، والذي يقرأ النص، يستبصر السر وراء الكلام.

وقف الكيلاني المولود في بغداد عام 1077 ميلادية على منبره في بغداد وقال: «لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيــــــا بشرى لمن أطعم جائع».

وكلام الشيخ، فيه رسالة عميقة، فهو فعلياً، لا ينكر فضل من يبني الجوامع، ولا من يقوم لله راكعاً، ولا من يصوم لله، لكنه يقول إن جذر الدين وسرّه وقلبه النابض، هو الإنسان، وهذا الإنسان إذا لم تتم رعايته وصون حياته واحتياجاته، فإن كل شيء آخر مهما بلغ، فلا قيمة له.

يا لها من فكرة عظيمة جداً. فالإنسان أولاً، عبر إطعامه، والإطعام هنا، مجرد «شيفرة سرية» علينا فك أسرارها، إذ إنها تعني عدم ترك أي محروم من تعليم أو عطف أو لباس أو علاج.الدول التي فهمت أن الإنسان أولاً، يحميها الله، وفي الغرب والشرق، تدام دول وتحمى شعوب، لأن هناك عدالة ورعاية وحقوق وواجبات، والإنسان غير محروم. وفي عالمنا العربي والإسلامي لا بد أن نعيد صياغة معادلة الإنسان، وأن نتوقف عن اعتباره بلا قيمة، عبر حرقه في الحروب والمجاعات وتبديد الموارد، وإعادته إلى موقعه الذي يريده الله... مُكرماً غير محروم... وبغير هذه المعادلة سوف نواصل استسقاء الغضب.

 

 

Email