حكاية عند الكعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا في رمضان، نؤدي العمرة، فجراً، وإذ نطوف عند الكعبة، ونقف عند باب الملتزم للدعاء، نسمع صوت بكاء شابين، في العشرينات، يبكيان بألم ويدعوان بإلحاح.

سكون في المكان، الجو روحاني، والطيور تطوف عند الكعبة أيضاً، والساعة مباركة، وقلبك ُيسبّح قبل لسانك، فتتأمل وجه الشابين الآسيويين وهما يبكيان، فلا تعرف سر البكاء، وتستبصر تفاصيل وجه كل شاب، فتعرف أنهما من نبع واحد.. شقيقان في عمر الورد، أو قل أكبر قليلاً؟!

يتملك الفضول قلبك، عن سر البكاء، فتسألهما، فيجيبان بلغة إنجليزية، أنهما تلقيا خبر وفاة والدهما، بعد صلاة قيام الليلة الفائتة، وهما لا يستطيعان السفر إلى بلدهما للمشاركة في دفنه أو الجنازة، فلم يجدا براً به، سوى أن يؤديا العمرة عن روحه، حتى قبل دفنه، وقبل السؤال والجواب، تدمع عيناك عليهما، وعلى هذا البر.

تفلسف الموضوع، وتقول ما الذي كان سوف يستفيده الراحل لو حضرا جنازته، وما الأكثر نفعاً، السفر إلى بلادهما، أم تأدية العمرة عن روحه من جانب ابنيه الاثنين في توقيت واحد، وفي رمضان، وقبيل الفجر بقليل؟!

تستذكر هذه القصة، لنقول لأنفسنا ولغيرنا، إن بر الوالدين لا حدود له، وإننا في رمضان، لابد أن نغسل ألسنتنا من سوء الأدب والتطاول بالقلب أو اللسان أو النظر على الوالدين أو أحدهما، إن كانا على قيد الحياة، وأن نبرهما أيضاً، وألا ننسى أن أي صدقة عن روحهما، أيضاً، تتنزل عليهما رحمة وإحساناً.

أي أب هو الذي تنزلت بركات عمرتين على روحه في رمضان، من ولدين بارين، وهما أنموذج للصلاح الحق، في زمن لا يتذكر فيه كثيرون الأب الراحل أو الأم الراحلة، لا بصدقة ولا بعمرة، ولا بأي شكل من الأشكال؟!.

الأب والأم بابان سماويان للجنة، وهنيئاً لمن فتح هذه الأبواب في هذه الأيام.

Email