أسمع ولا أستمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحكى أن رجلاً ترك قريته ورحل إلى بلدة أخرى لا يعرف فيها أحداً، ليبدأ حياة جديدة كما تهوى نفسه، فشرع منذ وصوله في بناء منزله وحيداً.

على الرغم من أنه غريب، إلا أن أحداً لم يعرض عليه المساعدة، بل كان كلما مرّ به أحدهم، توقف وضحك وقال في نفسه: لا بد أنه مجنون، كيف يظن أن بإمكانه البناء وحده.

كان إصرار الغريب يتواصل، وبات سكان البلدة أكثر جرأة فكانوا يقفون إلى جانبه وهو منهمك تماماً في عمله، ويعيدون عليه كل مرة: »لا يمكنك إنجازه، لا بد وأنك تحلم، ألا تسمع النصيحة!«، ورغم التشكيك المستمر لكل من يمر به، كان الغريب يكتفي بالابتسام لا أكثر.

بعد سنوات من العمل الدؤوب، أصبح بيت الغريب أيقونة جمال، وحكاية البلدة من جديد، وكل المشككين باتوا يسألون أنفسهم كيف تمكَّن هذا الرجل من النجاح بمفرده.

لم يكن أحد منهم يعرف أن سر ابتسامة الغريب هو أنه أصمّ، ولم يكن يسمع ما يقولونه، لذا كان يكتفي بالرد بأجمل ما يكون، ثم مواصلة عمله. منعه الصمم من الاستمتاع بأصوات الحياة، أو مناداة اسمه من شخص يحبه أو حتى سماع ضحكته هو إذا ما ضحك، لكنه أيضا حجب عنه سماع كل الكلمات المحبطة والتقليل من قدراته، ولو أنه سمع لتوقف ربما عن البناء أمام أول جملة سمعها عن المستحيل.

أحيانا يتعين علينا أن نستمع ولا نسمع، والعكس بالعكس، فنسمح لما نريده من كلام التفاؤل والعزيمة أن يخترق آذاننا ويصل قلوبنا، ونغلق الباب أمام ما من شأنه التقليل من أنفسنا أو إشعارنا بالهزيمة، فالمستحيل ما هو إلا مصطلح صنعه أشخاص لا يعرفون الهمة ولا الأمل.

 

Email