يارب ابني !

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحكى في الأثر أن صبية كانت تعيش وعائلتها في بيت صغير، والصبية تجلس لتتناول طعامها، وقطعة اللحم الصغيرة بيدها، تريد أن تدفعها إلى فمها، في عز جوعها.

همت بذلك، لولا أن وقفت أمامها عابرة سبيل، جائعة أيضاً، وفقيرة، رمقتها بعين محتاجة، وطلبت أن تطعمها، فلم تبخل، ودفعت قطعة اللحم إلى فم الفقيرة، دون أن تأكل هي.

مرت الأيام، والسنون، والصبية تنتقل من بيت المدينة، إلى خيمة كبيرة في منطقة نائية، والقصة في الأثر قديمة، والصبية تزوجت وأنجبت، وتجلس في بيت الشعر مشغولة بأمور عائلتها.

لحظات مرت، حتى جاء ذئب واختطف ابنها الوحيد، حاملاً إياه من ملابسه، بأنيابه التي لا ترحم، وفر من تلك الخيمة، والمرأة الهلعة، يدب فيها الخوف والذعر، فتركض خائفة لتصرخ بأعلى صوتها قائلة .. يا رب ابني يا رب ابني!

يؤمر الذئب بإعادة ابنها لها، فيعود صاغراً، والنداء البعيد يقول لها (لقمة بلقمة) قاصداً أن لقمة اللحم التي نزعتها من فمها ذات يوم لأجل فقيرة، لم تذهب، فقد تم نزع لحم ابنها من بين فكي الذئب.

والقصة على جمالها وبساطتها، تقول الكثير، فالصدقة تدفع البلاء، وكثرة منا تظن أن الصدقة يجب أن تعود نقداً، وهذا جهل، لأن الصدقة تعود بألف شكل، قد لا يدركها المرء، من شفاء أو دفع بلاء أو ستر عرض أو غفران للذنوب.

لا تحزن إلا على أولئك الذين يشقون، ولا يزكون أموالهم، والعاقل فقط، من يجعل في ماله، شيء لله، كل يوم، كل شهر، ويتذكر أنه مجرد مكتب بريد يستقبل المال، وله فيه حصة، ولغيره حصة أيضاً.

ما من هبة يهبها الله للإنسان، مثل غسل قلبه بالرحمة، والعطف على الضعفاء، وهذا استثمار لا يخسر أبداً ومضمون حقاً.

Email