حكاية من وجهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل صاحب نعمة محسود وينظر إليه الناس بتقدير، وكل فقير ينظر إليه الناس بدونية، فوق أنهم يعتبرونه آفة تعكر رؤية وجهه المزاج في الصباحات!

أعرف شقيقين، حق المعرفة، ولكل واحد حكاية، وبينهما آلاف الكيلومترات، الأول بدون مبالغة ملياردير، كان يعيش، رحمه الله، في لندن، ومعرفتي به عبر نجله، وإذ زرته ذات يوم وهو مريض في منزله في أيامه الأخيرة، في لندن، كان متعباً، عرفني بسرعة، وتركني نجله معه قليلاً في غرفته، ولسبب أجهله، قلت للرجل أن لا بأس لو تصدق هذه الأيام، لأن الصدقة تخفف المرض، والله أعطاه الكثير، والكلام قلته له بسلاسة، حتى يتقبله.

عبس وجهه وبسر، ورد عليّ بمنتهى الجدية، قائلاً إن ماله سينقص إذا دفع منه صدقات لأقاربه أو الغرباء، وأن الفقير لا بد أن فقره عقاب إلهي، فلماذا يرفع هو العقاب عنه؟!

صعقت من الكلام. غادرته يومها، وأنا آسف لحال الناس، ويرحل الرجل، فيأتي الأبناء والأحفاد، وينفقون ملايينه يميناً ويساراً، لهواً وقماراً وتجارة خاسرة، يبعثرون كل ما جمعه، فلا بقي المال كما كان، ولا كسب الراحل منه صدقة يأخذها معه في يمينه.

شقيقه الثاني، فقير، يعمل معلماً، في عاصمة عربية، رزقه الله بعشرة أبناء، من الذكور والإناث، راتبه لا يأتي معجنه بالخبز، يعيش بالإيجار، لا يؤذي نملة، يستيقظ كل فجر، يذهب للصلاة، وقد رآه من رآه حين كانت الأرض مغطاة بالثلج، لكنه يمشي وسطه ويصر على أن يذهب للمسجد، وبقليل من المال، أدار بيته، كل أبنائه، كانوا من الأوائل في مدارسهم، جميعهم درسوا في الجامعات، وحصلوا على منح تفوق، صحة أفراد بيته مصانة، وجميعهم تزوجوا وتصدروا مدينتهم مهنياً، فلم يقعده الفقر، عن نيل البركة والنجاح، فسبق صديقنا الأول بكل يسر!

ثنائية الفقر والغنى، معقدة، وكثيراً ما يستر الله الفقر بالعافية، وهذا خير من المال مع رفع العافية.

Email