ثم يسألونك!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بكى العجوز، توسل لأولاده السكارى، ألا يرموه خارج البيت.. ذرف الدموع، فركلوه بقسوة، وحملوه دون أن يرف لهم جفن، وقد ملوا أمراضه وأوجاعه، لحظات مرت، وإذ به عند حاوية نفايات الحي، تركوه عندها وهم سكارى، رموه قربها.. والقصة حقيقية ومشهودة، وعادوا أدراجهم إلى بيته، لتفتيش أغراضه بحثاً عن مال أو ذهب!.

بدأ العجوز بالعويل، ضرير هو، والقمر يدنو منه ويبتعد، شاهداً على حكايته المرة، حتى خرج الجيران على صوته، والكل يريد أن ينقله إلى بيت من بيوتهم حتى يخففوا آلامه، لكنه باغتهم قائلاً: دعوني هنا، فهذا مكاني الطبيعي، وسأموت هنا! فأشتد قهر رجال الحي، فلا أحد يقبل أن يبقى العجوز قرب الحاوية في هذا الليل البارد، لكنه عاد وصعقهم، قائلاً إن عليهم تركه هنا، لأن هذا جزاء طبيعي.

فقد فعل ذات الشيء مع والده قبل أكثر من ستين عاماً، حين حمل والده المريض، بعد أن ضربه، وبسبب إلحاح الزوجة وكرهه لوالده الذي كان يعيش عنده، وقام آنذاك برمي والده في مجمع نفايات تلك القرية الجبلية، حتى مات فوق كومة من النفايات!.

سداد ديون، إذن، والراوي يقول إن الرجل فعلاً لم يعش حتى الفجر، بعد أن رفض الذهاب إلى أي بيت من بيوت الجيران..

فكما فعل بوالده، أرسلت له الأيام أبناء عاقين سكبوا له كأس الذل والإهانة، فهي إذن فواتير لا تغيب، فواتير الآباء والأمهات، وفي الدنيا ترى كثرة تبيعك الكلام الجميل، لكن قلوبهم بلا نور، لأنهم ينسون آباءهم وأمهاتهم، ولا يبرونهم، لا بزيارة، ولا بمساعدة، ولا بوجه بشوش، وينقطعون عنهم بعد رحيلهم أيضاً، فلا صدقة ولا دعاء.

ثم يأتونك ليسألوك: لماذا يعاملنا أولادنا وبناتنا بلا عطف، والإجابة في ذاكرة الأجداد والجدات؟!

Email