مخلوق من الفضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما أحدث ستيفن سبيلبرغ اختراقاً في الفن السابع بفيلمه «مخلوق من الفضاء»، يشكل «داعش» حدثاً موازياً في فضاء الشرق الأوسط. إذا كان سبيلبرغ كسر سقف سينما الخيال العلمي في العام 1982، فإن التنظيم العصابي المسلح اخترق الواقع والمحتمل والمتخيل في المشهد السياسي الإقليمي.

قبل فيلم سبيلبرغ ينطوي داعش على فانتازيا، تمزج السياسة بالميثولوجيا وقدر من إثارة الفن السابع. المخرج الأميركي كبح دهشتنا بابتكار مخلوق فضائي. لا أحد استطاع لجم هذه الدهشة بتحديد منبت داعش.

«إي تي» في الفيلم منجز خاص من إبداعات سبيلبرغ. البحث لا يزال يستكشف مصمم داعش. في تجارب التنظيمات المتطرفة والإرهابية، يجزم باحثون بأن القاعدة لعبة من «سي آي إيه» خرجت عن السيطرة الأميركية، كما يرى آخرون أن حماس من صنع إسحق رابين انقلبت فيما بعد على إسرائيل.

كما لا يعلم أحد من أي الفضاءات هبط داعش، ما من أحد يشير واثقاً إلى مخلّق هذا التنظيم الهلامي، مثلما يعجز عن تحديد مقوماته الهيولية.

هكذا يباغتنا تنظيم فجائي يعبر الصحارى، يجتاح المدن، يدمر الشواهد التاريخية، يحرق المنازل، يجبر الجنود على إخلاء الثكنات، يغتصب النساء والممتلكات، ينسج واقعاً يفوق الخيال الهوليوودي في أكثر إنتاجه شروراً، من رعاة البقر إلى عائلات المافيا الإيطالية. رد أصول داعش إلى المؤامرة لا يصوغ إجابات حاسمة مقنعة، كما لا يكفي التآمر تفسيراً محكماً لغلو داعش في تشويه تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.

أكثر من ذلك، ضرراً وضراراً في تشويه عقليتنا وعقيدتنا. داعش يتفوق على حبكات السينما الدرامية والتراجيدية، بمفارقة الشبان الهابطين من مدارج الحياة وحاضنات الثقافة والترف وصالات التسوق وأرصفة التسكع المطعمة بالشجر، إلى صحارى الشظف والممارسات الوحشية. داعش شريط خيالي صادم، يناقض الموروث والعصر وينفر من العلم إلى الخرافة.

تنظيم هلامي بقدرات هائلة من مخزون السلاح، قادر على اجتزاء المساحات من الأرض وتخليق وطن لشعب هجين شاذ. تنظيم قادر على الصمود في وجه تحالف قوامه أربعون دولة، تعلن حرباً مفتوحة على مدار سنوات مفتوحة. أي مخلوق فضائي هذا الداعش؟

Email