حرب إجهاض الفرص

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع إخفاق الفلسطينيين والإسرائيليين في إملاء شروط أي منهما على الآخر، فإن حرب غزة تصبح مغامرة ثنائية خاسرة.

 الحرب ممارسة للسياسة بعتاد مدمر، الانتصار فيها لا يتحقق بمراكمة خسائر العدو، بل بحصاد المكاسب السياسية. أسوأ نتائج مغامرة غزة الخاسرة تكمن في ويلاتها المستقبلية، إذ هي أشد إيلاماً من كلفتها الباهظة الآنية.

حرب نتانياهو في غزة معركة في سياق حملته الانتخابية المرتقبة. الرجل الأحمق لم يستوعب تجربتي رابين وباراك، اللذين خبرا غزة مستنقعاً يصعب الانزلاق إليه ويتعاظم الخروج منه. بعد التورط اكتشف نتانياهو في المستنقع غزتين، إحداهما عرفها سابقاً، والأخرى في باطن الأرض.

أهل غزة حفرواً مدينة عميقة بغية البقاء على سطح الحياة. هكذا وجد نتانياهو وجنوده أنفسهم في ظلام مجهول، التقدم فيه باهظ مادياً، لكن التراجع عنه أكثر أعباء سياسية.

ما لم يدمر نتانياهو شبكة غزة التحتية ويسكت منصات الصواريخ، فإنه خاسر حملته الانتخابية لا محالة. حماس باغتت العالم بما خططت وأعدت لمعركة تراها حتمية؛ استدراج جنود إسرائيل إلى الأنفاق المفخخة بالموت.

اصطياد الجنود إنجاز عسكري يغري بالتباهي، لكن حماس لا تستهدف الانتصار على الترسانة الإسرائيلية. أنفاق حماس تتجاوز الثكنات الإسرائيلية إلى التسلل السياسي إلى الضفة الغربية، بغية توسيع قاعدتها وإحكام قبضتها على مصير الشعب الفلسطيني. فتح المعابر غاية سياسية، يفك عزلة حماس أكثر مما يرفع الحصار عن أهل غزة، هؤلاء دأبوا على التعايش تحت الضغوط الحياتية.

صواريخ حماس لم تقتل ذبابة لكنها ضربت إحساس الإسرائيليين بالأمان. أما وقد تجشم نتانياهو وحماس أعباء مادية باهظة، فلم تعد أمامهما فرص واسعة للخروج من المأزق بمغانم سياسية. حماس أجهضت، تحت نشوة عابرة، ذروة اللحظة العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية. أخطر تداعيات مغامرة غزة الثنائية الخاسرة، تتمثل في دوائر التطرف التي تنداح حتماً داخل المعسكرين.

مشاهد المجازر والشهداء الدامية وتوابيت الجنود العائدة والأشلاء المتناثرة، تشحذ ذاكرة أجيال بنوبات الثأر والكراهية أكثر من رغبات الصفح والتعايش. تلك المشاهد والمشاعر تبدد كل فرص السلام المحتملة.

Email