الضمير المظلوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما نلقي اللوم على الضمير، ونتهمه بعجزنا وتقصيرنا، وربما حين كان للأمة ضمير حي أو لا تزال فيه بقية من حياة، كان من الممكن، جدلاً، أن ننتقده ونحمله مسؤولية بعض ما نقترفه في حق أنفسنا وأمتنا، ونرمي عليه ما أصابنا من نَهَم الذلة والهوان والخنوع تحت أقدام الإرهاب والعدوان والاحتلال، على ما في ذلك من الظلم والتجنِّي على الضمير.. أمَا وقد مات هذا الضمير كمداً و»شبع موت«، فمِن السخف والسذاجة أن نستمر في ضرب الميت، بل هو في الحقيقة جلد للذات فوق ما هي ذليلة مُهانة!

الضمير ليس كائناً مستقلاً بذاته، بل هو ضميرنا.. »ضمير الأمة«، ووجوده مرتبط بوجودها الفاعل والمؤثر، فإذا كانت الأمة مَواتاً أو »غُثاءً كغُثاء السيل«، فمن أين يأتي الضمير؟ وكيف يوجد ضمير حي لأمة فقدت كيانها وكينونتها، واغتصبت كرامتها جهاراً نهاراً، وأمام أعين كل شهود الزور في عالم النفاق والتدليس؟!

لقد أصبح العدوان السافر دفاعاً عن النفس، والذبح والتدمير ثورة وحرية، وما زال الإعلام المضلل يمطرنا لحظة بعد أخرى، بوابل من نفايات الشعارات الكاذبة والادعاءات المزيفة التي تمتهن ما بقي لنا من عقل أو قدرة على التمييز بين الغث والسمين، وما زال المعتدون والهمجيون ضيوفاً يحتفى بهم ويحتفل في بعض إعلامنا المهزوم والمأزوم، والشريك في ترسيخ وتعميق هزيمتنا وأزمتنا التي صنعناها بأنفسنا أكثر مما صنعها أعداؤنا وخصومنا.

كفانا ظلماً للضمير وتجَـنِّياً عليه.. عودوا إلى ضمائركم تعود ضمائركم إليكم، أو اتركوا الضمير المسكين وشأنه، أو قبرَه، فإن لم تكونوا قادرين على استعادته ومؤهلين لاستقباله، فلا أقل من أن تتركوه يستريح في نومته الأبدية، بعد أن نحرتموه نفاقاً وخنوعاً وقتلتموه كمداً!

Email