34.. سيرة منفتحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على بعد صفحات من روزنامة العيد السنوي لـ«البيان»، يستعيد المرء جهد ركض يومي على امتداد 34 عاماً. هو ماراثون السباق مع الأحداث وقضايا الناس، والأرق على الورق.

هي مسيرة ليست عادية، حين تصبح حكاية الصحيفة فصلاً أساسياً في سيرتك الذاتية، وخلية حيوية من ذاكرتك الشخصية، تلك قصة حافلة بالعمل والأمل، غير خالية من المعارك والعثرات والخيبات.

في الصحافة يؤكد المتفوقون قاعدةً ذهبية في الأداء اليومي، محورها ضربة البداية الناجحة تؤمن نهاية باهرة. تلك الحكمة المهنية لم تكن متطابقة مع مشهد التأسيس. نخبة من عمالقة الصحافة العربية زينت صالة التحرير وقتذاك. المشروع استهدف إصدار صحيفة عابرة للوطن العربي.

التركيز انصبّ على استقطاب أسماء ذات بريق في الفضاء الصحافي. المعنيون بالمشروع لم يولوا صالة التحرير الاهتمام ذاته، فانتشر فيها مبتدئون كان ذلك عهد معظمهم بصالة التحرير. الصحيفة يصنعها صحافيون، ولا تصنع الصحيفة طور التأسيس صحافيين.

معظم الأسماء الكبيرة ينتمون إلى المجلات الأسبوعية، ومن ثم افتقدوا حاسة إيقاع الصحيفة اليومية. ياسر هواري، سليمان العرزلي، فليب جلاب خليل خوري.. التوزيع لم يضع الخبرة المناسبة في المقعد المناسب، يوسف صلاح تولى قسم المنوعات، عبد الكريم البيروتي على رأس المحليات.

صالة التحرير حينئذٍ جامعة عربية مصغرة، فيها كل اللهجات العربية: عراقية، شامية، يمنية، تونسية، سودانية ومصرية.

بعض الجنسيات تمثلت بتقسيماتها الفسيفسائية. بيننا يمانيون اشتراكيون وبدريون، لبنانيون سنة وموارنة، فلسطينيون فتحاويون ومعتدلون ومتشددون من جبهات اليسار.

بما أن دبي معروفة بالمشاريع العملاقة، فقد استبق صدور «البيان» حمى ضربت الوسط الصحافي، انطلاقاً من قناعة بأن صحيفة دبي ستتصدر المشهد المحلي. تحت حرارة تلك الحمى، تمكنت صحيفة منافسة من اختطاف أحد الإصدارات التجريبية من وراء الكواليس. الاختطاف أسعد الصحيفة المنافسة.

 على نقيض الرهان جاء الإصدار محملاً بالإحباط والخيبات، إذ لم تكن الصحيفة على مستوى دبي. بما أن الانطباع الأول يصنع صيت العديد من المشاريع ذات العلاقة المباشرة بالجمهور، فقد تحملت إدارة التحرير الكثير من الجهد والوقت لاستبدال الانطباع الأول غير الرابح.

مع كثير من العرق والورق والجهد المهني، تحولت «البيان» إلى مؤسسة تصنع صحافيين، إذ برزت في صالاتها وجوه إماراتية في أقسام التحرير والإنتاج المتباينة. بعض هؤلاء يشغلون المواقع القيادية في «البيان»، وبعض يشغل مواقع قيادية في مؤسسات للصحافة والطباعة والنشر. بعضهم أكاديميون يلقنون أجيالاً إعلامية واعدة مهارات صحافة الغد.

Email