وطن التناقضات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كالعادة ينهض لبنان في كل منعطف، ومناسبة بلداً للتناقضات. ما من قضية ملحة أمام اللبنانيين حالياً، كما هي مسألة انتخاب رئيس للجمهورية. هذه القضية تعتبر، كما المألوف اللبناني، أكثر ما تكون استعصاء على التحقيق، بما أن اللعبة السياسية اللبنانية مبنية على التوافق، فإن هذه القاعدة الذهبية تذوب كالعادة عند كل استحقاق دستوري.

لبنان أحد البلدان العربية النادرة- بل ربما الوحيد- حيث لا تشكل الإثنية العرقية الخطوط الأساسية في التضاريس الاجتماعية. هو القطر العربي الأكثر شحناً بالفسيفساء المذهبية، إذ تبلغ نحو 19.

الغاية من التوافق السياسي المبتكر في ديمقراطية لبنان الفريدة، كبح الاستقطاب في وطن يضج بالمكونات الاجتماعية، على الرغم من بروز لبنان أنموذجاً ديمقراطياً، يشع بالليبرالية والحريات المدنية استثناءً في المحيط العربي، فإنه ظل أكثر البؤر المشتعلة أو القابلة للالتهاب

. اللجوء إلى السلاح وسيلة لحسم الخلافات، مظهر لبناني ليس كمثله عربياً. في البدء استهدف اللبنانيون من تبني الديمقراطية التوافقية، تعزيز الاستقرار الداخلي في وجه التقاطعات الخارجية، لكن لبنان يمثل البلد الأكثر انكشافاً أمام رياح الخارج الآتية من المحيط العربي أو ما وراءه.

التوافق المتبنى يستهدف منح المكونات الاجتماعية المتعددة قسمة عادلة تناسبية في مؤسسات الدولة.

هذه الغاية تجرد الممارسة الديمقراطية إحدى أبرز خصائصها ومقوماتها، المتمثلة في عدالة تكافؤ الفرص والتنافسية القائمة على المواطنة. الديمقراطية اللبنانية مبنية على المجاميع الاجتماعية، لا على المؤسسات الحزبية.

طغيان الطائفية على المكونات الإثنية فتح الأفق أمام الاصطفاف على الهوية الدينية، عوضاً عن قصر الاصطفاف على الانقسام الإسلامي- المسيحي، غرقت اللعبة السياسية في التنويعات المذهبية، إلى حد إقحام الحراك السياسي في أزمة متشعبة.

بدلاً عن اصطفاف المسيحيين تحت مظلة واحدة، يرتبك المشهد اللبناني، بحيث تجد بعثرة الموارنة، والأرثوذكس، والكاثوليك، على الكتل الإسلامية.

من الصعب أحياناً الإمساك بجذور التقسيمات الفسيفسائية لمعرفة كيف يصبح مسيحيون أقرب إلى الشيعة، وآخرون أقرب إلى السنة، منهم إلى مسيحيين آخرين. من المألوف عبر التاريخ خروج الشعوب من تجارب الحرب الأهلية المريرة إلى تسوية تستأصل جذور الأزمة. اتفاق الطائف كرس كل عناصر الأزمة، ما برز بعد ذلك في المشهد أمراء الحرب لاعبين أساسيين.

Email