النخب العاجزة

ت + ت - الحجم الطبيعي

النخبة في أي مجتمع، هي الشريحة أو الفئة الأكثر نفوذاً وتأثيراً، سواء في مجالها الخاص (اقتصادي، اجتماعي، سياسي..)، أو في المجتمع بشكل عام، ولذلك تقع عليها المسؤولية الأكبر في إنارة المجتمع، وتصحيح مساراته، وقيادته نحو الطريق الأنفع والأسلم.

ما نراه اليوم، على مستوى العالم ككل، هو تخلي النخب عن هذا الدور، أو عجزها عن القيام به. والأمثلة كثيرة وصارخة وصادمة، من أفغانستان إلى فنزويلا، مروراً بكل إخفاقات «الربيع» العربي، الذي تحول إلى «نجيع» متدفق، يحصد المزيد من الأبرياء كل يوم، بل كل ساعة، من دون رادع أو كابح، ومن دون هدف عقلاني واضح.

في كل التجارب الانتخابية التي شهدتها بلدان الفورات والثورات، رأينا الجماهير الشعبية تتحدى التهديدات والاضطرابات الأمنية، وتنجح في تحقيق مشاركة واسعة من أجل الاستقرار وتصحيح المسار، لكن النخبة أو الطبقة السياسية، سواء في معاقل السلطة أو بورصات المعارضة، فشلت فشلاً ذريعاً ومزمناً، في الاستجابة لرغبات الشعوب وفهم رسالتها المطالبة بحد أدنى من الكرامة والأمان.

ولم تكن النخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، أحسن حظاً أو أفضل تأثيراً من الساسة، في تعديل مجرى الأحداث وتصويب مساراتها.

المتسيسون لا همّ لهم سوى «المناقرة» على فتات السلطة وأبخس المصالح، والمثقفون غائبون أو مغيّبون، تابعون منجرفون أو خائفون متقوقعون، أما أهل المال والاقتصاد فحائرون بين الخوف والرجاء. ضاعت بوصلة الكل، وتاهت سفنهم، ولم تجد الشعوب قشة تتمسك بها، وسط الأمواج الهائجة وطوفان الفوضى الهدامة.

بالطبع هناك استثناءات، فلكل قاعدة استثناء، لكن الواقع الأعم فاقع ومفجع، وما لم تجد الشعوب منارة ترشدها، أو قادة يوجهونها نحو البناء والنماء بدل التقاتل والفناء، فإن «شَرْطية» أبي القاسم الشابي: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»، لن تكون كافية وحدها، كي يستجيب القدر للشعوب المغلوبة على أمرها.

Email