قلعة التتار

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما أنه في كل مصيبة فوائد، فنحن نربح من الأزمات الدولية مراكب معرفية. الأزمة الأوكرانية أنموذج نابض لفعالية الجغرافيا في صناعة التاريخ. حرص موسكو على القرم يتجذر في المصطلح السياسي المتدارك «المياه الدافئة»، أصل تسمية القرم يعود إلى التتار المسلمين، الذين أسسوا «خانات تتار القرم» في العام 1400م، وتعني الكلمة القلعة أو الحصن.

في سياق الحلم الروسي الدائم بالوصول إلى المياه الدافئة منذ عهد بطرس الأكبر، استولت كاترين الثانية على شبه الجزيرة في العام 1783. في مغامرة هذه الإمبراطورة، تعرّض التتار إلى مذابح جماعية وعمليات مصادرات وتدمير ممنهج لممتلكاتهم ومساجدهم ومدارسهم، راح ضحيتها نحو 350 ألفاً، وفر نحو المليون إلى تركيا. كاترين استهلت تهجير الروس إلى شبه الجزيرة.

إبان الحرب العالمية الثانية اتهم ستالين تتار القرم بالتعاون مع النازيين والخيانة، فهجّر 400 ألف منهم في عربات نقل الحيوانات إلى أنحاء متفرقة من الاتحاد السوفييتي. ستالين مضى أبعد من ذلك، إذ ألغى مجلس السوفييت الأعلى قرار نظام الحكم الذاتي في جمهورية القرم. تهمة الخيانة ظلت تلاحق شعب القرم حتى العام 1967، عندما عاد مجلس السوفييت ورفع عنهم الاتهام.

في سياق هيمنة القرارات الفردية في نظام بيروقراطية الحزب السوفييتية، ألحق خروتشوف شبه جزيرة القرم بأوكرانيا. غير أن التتار ظلوا مبعثرين في منافيهم الداخلية إلى استقلال أوكرانيا. في 1991 عقد التتار أول مؤتمر لهم.

تركيبة القرم السكانية قوامها 50% من الروس، 30% أوكرانيون و20% من التتار.

شبه الجزيرة تشكل موطئ القدم الاستراتيجي لإطلالة روسيا على المياه الدافئة، التي ظلت حلماً روسياً منذ بطرس الأكبر وإلى ما بعد بوتين. أوكرانيا أرض مكتنزة بالثروات الزراعية والنفط والغاز والمعادن، والمياه المعدنية التي تمثل أحد أفضل المشافي الطبيعية في العالم.

عبر هذه القنطرة الاستراتيجية اشتبك روس وأوكرانيون وأتراك في علاقات مصاهرات واسعة.

هكذا تجسد أوكرانيا ضلعاً استراتيجياً حيوياً في المنظومة الروسية. الغرب يريد تجريد موسكو من هذه الضلع، من دون تحمل أعباء فادحة.

Email