تونس أنموذج مشرف

ت + ت - الحجم الطبيعي

من حق التونسيين علينا الاعتراف بالامتنان. من شرارة الغضب التونسي انتشر الوهج العربي على الأنظمة الشمولية المتكلسة بالاستبداد والفساد. على نقيض التجارب العربية الملتبسة، ها هم أبناء تونس وبناتها ينسجون للمرة الثانية أنموذجاً عربياً متقدماً. نعم، الثورة على الديكتاتورية تقود بالضرورة إلى نظام ديمقراطي. هذه هي القاعدة الثابتة، حتى إن بدت في الوطن العربي مغالطة سياسية.

صحيح لم يكن الأنموذج التونسي سلسلاً، بل مكلفاً ومثقلاً بالمواجهات والمصادمات، حد الاغتيالات والمناورات ضد الشعب وضد التاريخ. لكن بنات تونس وأبناءها المشبعين بروح الحداثة، ربحوا معركة المستقبل وأنقذوا الوطن من على حافة حرب أهلية نشرت عتادها بالفعل على رقعة منه. النخب التونسية الحداثية أنقذت كذلك مؤسسات الدولة من الانهيار. الوعي الشعبي بمأزق الحرب الأهلية، غير المعترف بها في ليبيا وأخطار العنف المتصاعد في مصر، ساعد النخب التونسية على تجاوز المطبات الحادة.

التراث العقلاني العلماني المدني، شكل الأرضية المشتركة لإعادة بناء توافق تونسي نخبوي، أفضى إلى قناعة بالتداول السلمي للسلطة. هذا التراث الممتد أكثر من نصف قرن، أجبر القوى الظلامية على إعادة الرؤى في خارطة الواقع والانسجام معه. حركة النهضة أدركت أنها ستخسر حق الوجود، إذا ظلت تسبح ضد الواقع والمستقبل.

بعد 765 يوماً من الجدل، و3 سنوات على شرارة البوعزيزي، فقدت تونس إبانها نحو ألف قتيل، توافق الفرقاء التونسيون على وثيقة دستورية تؤمن على مكتسبات الحرية وحقوق المرأة والممارسة الديمقراطية.

حركة النهضة دفعت فاتورة إخفاقاتها على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، التي أعماها فيها بريق السلطة وزيف التشبث بالأغلبية العمياء.

الحرص على الدستور ظل قيمة ماثلة في تونس، حتى وهي في قبضة الحاكم الفرد أو الحزب الواحد. بورقيبة أسمى حزبه الحزب الحر الدستوري. بن علي أطلق على حزبه التجمع الدستوري الديمقراطي. لذلك جاءت صياغة الدستور بمثابة المعركة الفاصلة في تونس.

Email