مسافة نضج

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل من يخال مفاهيمه راسخة، ورؤيته للحياة جد عميقة، تكفيه فقط زيارة واحدة للقرية العالمية في دبي، ليرجع بوقفة ضرورية مع نفسه، ووضع هذه المفاهيم والقناعات على محك التمازج الثقافي والإنساني الفذ.

هناك في هذه القرية الصغيرة بمساحتها، الشاسعة بتعدديتها، تتخذ الهوية الوطنية لكل الجنسيات معنى أكثر عقلانية، حين تنضج العصبيات على نار التروي الهادئة، وقبول الآخر واستكشاف ما لديه بفضيلة التعرف والتعارف.

كل ذي جنسية يمر بجناحه الوطني في القرية، ويقضي من الزمن ما يساوي الذي يقضيه في باقي الأجنحة، بل ربما أقل على أساس أنه خبر تفاصيل هويته ومنتجاتها، وما تبقى له كسر النظرة الأحادية وتوسيعها إلى منتجات ومنجزات الهويات الأخرى، يأخذ منها ما يستهويه، أو يطور نموذجاً جديداً يحمل في نسيجه كل جينات الهويات.

البحث عن صورة المرء في مرايا الآخرين، هو قمة الوعي الآدمي والتوجيهات السماوية «لتعارفوا»، بينما التقوقع والانغلاق هما وصفة الهاوية للهوية المغلفة بالعصبية المتوترة.

في مقابل القرية العالمية، هناك جماعة تدعي احتكار اليقين والإمساك بالحقيقة من كل الزوايا، تدعي لنفسها حق تقويم الآخرين ومحاكمة فلسفتهم ومنسوب معتقداتهم، وتالياً التدخل في شؤونهم.

كان يمكن فهم «تصدير» فكر «الإخوان المسلمين»، لو أثمر هذا الفكر نماذج من الدول القوية المزدهرة المتطورة، وذلك على سبيل التأسي، لكن النماذج القائمة من مصر إلى المغرب مروراً بتونس وغزة، لا تشجع أي أمل اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو سياسي، فأي بضاعة تصلح للتصدير لدى هذه الجماعة، بديلاً للتهريب ومحاولات التسلل؟

ما بين «القرية العالمية» و«الإخوان».. مسافة رؤية واقعية ونبذ للعصبية ومواجهة تحدي أن يكون للعربي مكان رائد في عالم اليوم.

Email