واحة جامعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من لم يعرف تجسيداً عملياً لمفهوم التنوع، عليه زيارة الإمارات لكي يتعلم بالمحسوس، فلا يبقى المفهوم أكاديمياً حبيس النظريات.

والتنوع هنا، لفرط تعدد أشكاله، بات ثقافة من نوع خاص، جمعت مكوناتها من الكل ووفرت لها إطاراً خصوصياً، فأضحت نموذجاً متفرداً بحد ذاته، يشبه كل الأنماط الاجتماعية ولا يشبهه أي منها.

لا يقتصر الأمر على تعدد الجنسيات والثقافات، وانصهارها في نموذج التفاعل الحضاري الإيجابي والتسامح الثقافي لجهة قبول الآخر وتفهم اختلافه، بل تعدد البيئات الاجتماعية وطرق العيش والعادات والتقاليد.

أي مكان على البسيطة يوفر لكل فرد في المجتمع البيئة الاجتماعية التي يرتاح إليها، ويشعر بأنها جزء من منظومته الحسية والذهنية والبيولوجية؟

العربي يجد حيزه الخصوصي الرحب تماماً، وكذا الأوروبي والأميركي واللاتيني والإفريقي وحتى الجنس الأصفر.. كل يعيش خصوصيته، لكن من دون جدران فاصلة، بل بتمازج فذ وتفاعل واعٍ لحدود الحرية الفردية، فيما الأمكنة أيضاً توزع على الجميع ذكريات جديدة مرتبطة بالبلد الأصلي. فكم منا تمشى في شارع مكتظ مثلاً بسحنات مألوفة فاستحضر شارعاً مماثلاً في بلده؟ وكم منا زار أمكنة في دول متقدمة، ليجد مثلها هنا في الإمارات لكن بيسر ونظام أكثر!

تعددية الثقافات والبيئات والأجواء النفسية، ميزة نادرة قلما تتحقق في مكان، إلا إذا امتاز أهله بسعة صدر وطيبة شاسعة، إضافة إلى إرادة وعزيمة واعية ومؤهلة لتحويل مكونات التنوع إلى عناصر إنتاجية وإبداعية.

مرة أخرى، نموذج يستحق الدراسة والتأمل طويلاً: كيف غدت الصحراء واحة حضارة جامعة!

 

Email