المجالس مدارس

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتابع للمشهد الرمضاني في دولة الإمارات، يجد تصاعداً في أعداد المجالس الرمضانية في كل الأحياء والفرجان دون استثناء، تلك المجالس التي كانت راسخة في تاريخ هذه الدولة، والتي لم تكن ترتبط بزمن معين، فهي متواصلة ومستمرة، حيث اعتبرت بمثابة مدارس لكل متعلم، فجاءت مكملة لدور المسجد في الحي.

"المجالس مدارس" في حد ذاتها، في ذلك الزمن الجميل، فقد كانت تجمع فقهاء الدين والنواخذة والبحارة على حد سواء، للتباحث والتشاور وتبادل الرأي حول مستجدات الحياة، إلى جانب وجود الصبية والشباب في مقتبل أعمارهم، فيتعلم الصغار من الكبار آداب وثقافة تلك التجمعات الاجتماعية الراقية، وينهلون منهم الخبرة في العادات والتقاليد والمهن المتداولة، ومختلف جوانب الحياة، التي خبرها الكبار وتعلموها ممن سبقوهم..

 فكانت تلك المجالس بحق، مدارس بل جامعات معرفية واجتماعية، لنقل المعارف وربط الأجيال ببعضها، على طول السنة، دون تقيد بموسم معين أو فترة زمنية محددة.

أما مجالس هذه الأيام فقد أصبحت، في معظمها، محصورة بفترة رمضان، ومع ذلك لم تعد ذلك التجمع العلمي الثقافي الاجتماعي الذي يستفيد منه الجميع، من مختلف الأعمار والمستويات، بل أصبح أغلب هذه المجالس عبارة عن تجمع لمتابعة المسلسلات الرمضانية، أو الأخبار عبر الفضائيات، أو لعب الورق أو البلاي ستيشن، أو حتى لمجرد الجلوس و"قتل الوقت" في صمت ووجوم، لأن كل واحد من الحضور مشغول بمتابعة البلاك بيري، سواء في ما يتعلق بالمسنجر أو شبكات التواصل الاجتماعية.

لكن ما يطمئن على هذه المجالس واستمرار دورها الحيوي، اجتماعياً وثقافياً، هو أنه ما زال هناك بعض منها يحافظ على طابعها القديم، لتقدم نموذجاً اجتماعياً يتناسب مع معطيات العصر، وهذه المجالس نتمنى أن تعم أرجاء هذا الوطن الحبيب، لتعم الفائدة بحفظ الماضي وإثراء الحاضر وتطوير المستقبل الواعد.. في كل رمضان، وفي غير رمضان.

Email