شبهات الكسب من أجل العطاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أعقاب انهيار بورصة العملات الرقمية المشفرة FTX، وفي خضم تقارير تفيد أن مؤسس بورصة FTX، سام بانكمان فرايد، حـوّل مليارات الدولارات من أموال العملاء، ربط بعض المراقبين سوء التصرف المالي المزعوم بالأفكار واسعة الانتشار داخل حركة «الإيثار الفـعـال»، التي يقول بانكمان فرايد إنها ألهمته. بعبارة أكثر تحديداً، يشيرون إلى وجهة النظر الأخلاقية، التي ترى أن الغاية تبرر الوسيلة.

يستلزم الإيثار الفَـعّـال أن يكون أحد أهدافنا أن نفعل أكبر قدر ممكن من الخير. في السعي إلى تحقيق هذه الغاية يعتقد الـمؤثرون الفاعلون أننا يجب أن نسترشد بالعقل والأدلة لتوجيه أفعالنا، ويجب علينا أن نعتمد على البحث للتوصل إلى أعمال الخير، التي تعود بأكبر قدر من الخير مقابل كل دولار يـنفـق.

بما ينسجم مع هذه الأفكار أسست منظمة «الحياة التي يمكنك إنقاذها»، وهي مؤسسة خيرية تشجع على العطاء، وترعى قائمة تحمل أسماء المؤسسات الخيرية الأكثر فاعلية في مساعدة الناس، الذين يعيشون في فقر مدقع، يوفر موقع آخر للإيثار الفَـعّـال الإرشاد في ما يتصل باختيار المسار المهني الكفيل بتمكين المرء من فعل الخير. بين مجموعة من الخيارات نجد «الكسب من أجل العطاء»؛ السعي إلى الكسب الوفير، ليس من أجل العيش ببذخ، بل لتكون قادراً على التبرع بالمزيد للأعمال الخيرية الفَـعّـالة.

يسعى كثير من الناس إلى الكسب من أجل العطاء، ولكن حتى الشهر الماضي بدا أن بانكمان فرايد كان الأكثر نجاحاً بينهم إلى حد بعيد. في أكتوبر من عام 2021، ذكرت قصة غلاف مجلة فوربس أنه جمع 22.5 مليار دولار قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر، مضيفة أنه «يريد فقط أن تظل ثروته باقية لفترة كافية لمنحها لأعمال الخير بالكامل».

من المفجع بالنسبة إلى عملاء FTX والمستثمرين فيها، والموظفين العاملين فيها، وأولئك الذين كانوا ليستفيدوا من المؤسسات الخيرية، التي ربما تبرع لها، أن ثروته لم تظل باقية طويلاً. بحلول يونيو، كان الصندوق الذي أنشأه بانكمان فرايد للتبرع لقضايا الإيثار الفَـعّـال وزع منحاً بلغ مجموعها 132 مليون دولار، أي أقل من 1% من الثروة، التي كان يـعـتقـد أنه يمتلكها في ذلك الوقت.

تأمل الصحافي سيجال صامويل من صحيفة فوكس (Vox) في فـكر بانكمان فرايد متسائلاً: «هل رأى أن الغايات تبرر الوسائل ــ وأن غايات خطته لمنح ثروته للغير ستكون خـيـرة إلى الحد الذي يجعل خطر القضاء على مدخرات العملاء مقبولاً؟»، ويعرض روس دوثات، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، «قراءة سلبية بحتة» لهذه الأحداث (وإن لم يؤيد هذه القراءة)، فهو يرى أن الإيثار الفَعـال «فاسد من الجذور بسبب ارتباطه بالنفعية التي، مهما كانت التأكيدات التي تقدمها، لا بد أن تنتهي بها الحال دائماً إلى تبرير الوسائل من أجل غايات تبدو نبيلة». يربط دوثات بين هذا الشكل المفسد من النفعية، وعملي الخاص من خلال ربطه بمراجعة معادية، عمرها الآن أكثر من عشرين عاماً، لاثنين من كتبي.

المشكلة في الإشارة إلى مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» باعتباره الخلل، الذي أسقط بانكمان فرايد هي أنه حتى من منظور غير النفعيين، من غير المعقول إنكار أن الغاية تبرر الوسيلة حقاً في بعض الأحيان.

* أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة برينستون ومؤسس المنظمة الخيرية «الحياة التي يمكنك إنقاذها».

Email