العلاقات الأمريكية- الكوبية

مايكل ألبرتوس - أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة شيكاغو.

ت + ت - الحجم الطبيعي

سلط مؤتمر قمة الأمريكيتين، الذي انعقد في لوس أنجليس، الضوء على مدى التغيير الذي شهدته المنطقة، إذ تعزز الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة جراء الهجرة من أمريكا الوسطى، وانتخبت البرازيل نسخة استوائية من الرئيس دونالد ترامب، بينما انتخبت المكسيك يسارياً شعبوياً، ولكن هناك دولة واحدة لم تتغير، وهي كوبا التي لا تزال دولة الحزب الواحد وشوكة في خاصرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعملية النهوض بالديمقراطية في المنطقة. وبناء على ذلك، قررت إدارة بايدن استبعادها من قائمة الدول المدعوة لحضور القمة (إلى جانب فنزويلا ونيكاراغوا).

ومع ذلك، أعلنت الإدارة مؤخراً أنها ستلغي العقوبات التي كانت مفروضة على كوبا في عهد ترامب. وبذلك، بدأ بايدن في تحويل السياسة الأمريكية في علاقتها مع كوبا إلى النهج، الذي اتبعه رئيسه السابق، الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إذ في عامي 2015 و2016، أعاد أوباما بناء العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، وأجرى زيارة رسمية إلى هافانا، وخفف بعض القيود المفروضة على السفر إلى أمريكا، وعلى المعاملات التجارية مع الجزيرة. وكانت الفكرة وراء ذلك هو أن هذا «الالتزام الإيجابي» من شأنه أن يساعد في تعزيز التغيير الاقتصادي والسياسي في كوبا وفي المنطقة على نطاق أوسع.

عندما أطاح فيديل كاسترو فولجينسيو باتيستا عام 1959، كانت كوبا تقبع في الفقر، فقد كان باتيستا يملأ جيوبه بالمال، بينما كان معظم الكوبيين يكدحون في مزارع السكر والتبغ التي تملكها النخب الثرية، أو يشتغلون كعمال الخدمات في المنتجعات الساحلية بالجزيرة.

ويكمن جزء من الجاذبية الشعبية الأولية لـ«كاسترو» في راديكالية مقاربته لسد الفجوة الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون: فبكل بساطة، صادرت حكومته الممتلكات من الأغنياء وأعادت توزيع الغنائم على الفقراء، ولكن العديد من المواطنين والشركات الأمريكية سقطوا ضحايا لعلمية مصادرة الملكية والتأميم.

ومنذ ذلك الحين، قدم الأمريكيون إلى الحكومة الكوبية ما يناهز 6000 طلب ملكية مصدق عليه، بقيمة إجمالية بلغت ملياري دولار، من خلال لجنة تسوية المطالبات الخارجية الأمريكية، وفضلاً عن ذلك، تلقت وزارة العدل الأمريكية الآلاف من الطلبات الإضافية؛ وهناك أيضاً آلاف الكوبيين، الذين صودرت ممتلكاتهم قبل فرارهم إلى الولايات المتحدة وحصولهم على الجنسية الأمريكية.

وحققت إدارة أوباما إنجازاً كبيراً عندما أقنعت الحكومة الكوبية بإجراء محادثات بشأن هذه القضية في ديسمبر2015، إذ لم يسبق أن اعترفت كوبا بمطالبات التعويض على أنها مشروعة أو جديرة بالمناقشة، ولكن كوبا جاءت بمطلبها الخاص، وهو أن تعوض الولايات المتحدة كوبا عن التكاليف الاقتصادية الهائلة للحظر التجاري، الذي فرضته على الجزيرة منذ عقود، وقدرت كوبا خسائرها في ما يتراوح بين 100 مليار دولار و850 مليار دولار.

إن مطالبات التعويض عن الممتلكات المحجوزة ليست بالشيء الغريب في العلاقات الدولية، إذ في عام 1968، استولت حكومة عسكرية في «بيرو» على شركة البترول الدولية المملوكة للولايات المتحدة.

وسعت الشركة للحصول على 120 مليون دولار، ولكن طلبها لم يتم تلبيته حتى عوضت بيرو الشركات الأمريكية الأخرى عن الأصول التي فقدتها أثناء التأميم، ما سمح للحكومة الأمريكية بالتدخل وإعادة توجيه بعض الأموال لصالحها.

وتشير التجارب السابقة إلى أن الانفراج الدائم بين الولايات المتحدة وكوبا يجب أن يكون موجهاً نحو المستقبل. ولحسن الحظ، يمكن للادعاءات المعقدة والادعاءات المضادة أن تشكل أساساً لاتفاقية تفاوضية ذات نطاق أوسع لتطبيع العلاقات بين البلدين.

ويقضي أحد الاقتراحات بأن تعوض كوبا صغار المطالبين مالياً بينما تمنح كبار المطالبين حقوق تطوير الأعمال التجارية، وقد يكون هذا جزءاً من حزمة لتحديث الاقتصاد الكوبي وفتحه، مع قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات والقوانين العقابية، والترحيب بالجزيرة مرة أخرى في المؤسسات المالية الدولية الهامة، ومن شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى أكثر من مجرد تخفيف للحظر التجاري، بيد أن أي قرار يُتخذ يجب أن يقترن أيضاً بقدر أكبر من الاعتراف بحقوق الملكية داخل كوبا.

 

Email