قيادة نسائية ترسخ أسس العدالة والرفاه والصحة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طوال فترة الوباء، حطمت النساء الأسطورة القائلة إن الاستراتيجيات القائمة على التعاطف وبناء توافق الآراء ضعيفة وغير فعالة. فقد استخدمت القيادات النسائية قابليتها للتكيف وحساسيتها لمتطلبات اللحظة لبناء الوحدة ودعم السلوكات المنقذة للحياة. وبدلاً من استسلامنا للهزيمة أمام المعايير المزدوجة التي تواجهنا، ظلت القيادات النسائية متواضعة، ومثابرة، وجماعية؛ ولكن الأهم من ذلك أنها كانت متسقة وحاسمة.

وفضلاً عن ذلك، فقد تعلمنا من تجاربنا أن نقيم بدقة التضاريس الاجتماعية والسياسية غير المتكافئة التي نعمل فيها، حتى نتمكن من التعامل مع ظروفنا على نحو أكثر استراتيجية. وبالإضافة إلى زيادة وعينا بالفرق بين الوباء الكاسح والمتوطن، (كوفيد 19)، والإنفلونزا، قمنا أيضاً بتصويب المزيد من الاهتمام إلى العنف، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ولطالما عدّت هذه المشكلة متوطنة - كارثة دورية تبدأ في شهر العسل وتنتهي في المستشفى، ويجب أن نتعامل معها بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع الفيروس، وهذا يعني عزل الجناة وتقديمهم للعدالة، وإنشاء أنظمة للكشف عن حالات العنف ومعالجتها، والتعامل مع المجتمعات لوقف انتشارها، ويجب أن نبتكر تدابير علاجية ووقائية تشمل الرجال والفتيان، حتى يحدث تحول ثقافي دائم.

إن الطريق نحو ما بعد الجائحة ما زال طويلاً؛ ويتطلب اجتيازه مثابرة المرأة وفطنة استراتيجية. ويجب أن نستهدف العدالة والأنظمة الاجتماعية التي تركت النساء لبعض أشكال التطاول والاستغلال ونصلحها، ويجب أن نسخر القوة غير المباشرة الضخمة التي يمكن للنساء المتمكنات سياسياً واقتصادياً استخدامها ضد العنف. ويجب أن نحشد الهيئات التشريعية والمكاتب الحكومية بالعنصر النسوي، لنخلق بذلك كتلة حرجة يمكنها تغيير نموذج العدالة، والسلام، والأمن، والصحة.

وقد لا يؤدي كسر التحيز إلى وقف فوري للعنف داخل الأسر. ولكن مع وجود المزيد من النساء في مناصب القيادة على كل المستويات وفي كل القطاعات، سنزيد تدريجياً من وصولنا الجماعي إلى التعليم، والعمل المربح، وجميع الموارد الأخرى اللازمة لمساعدة النساء على الهرب من العنف.

منذ عام 1911 والمجتمعات في جميع أنحاء العالم تخصص أياماً وشهوراً، بل حتى عقوداً (في حالة إفريقيا) للاحتفال بإنجازات المرأة، وتعزيز الحلول لمواجهة التحديات الجديدة والمستمرة. ولكن على مدار العامين الماضيين، وسعت جائحة (كوفيد 19) نطاق محنة النساء لتصل إلى أبعاد كبيرة، ما يبرز الضرورة الملحة لموضوع اليوم العالمي للمرأة لهذا العام وهو «كسر التحيز».

إن المسؤولية تقع على عاتقنا، نحن نساء العالم، لنفي بهذه المهمة. وبالاعتماد على براعتنا، يجب أن نحول تركيزنا، ونجدد خطابنا العالمي، وندخل حقبة جديدة من القيادة النسائية.

ولا شك في أن النساء تحملن العبء الأكبر من تكاليف الوباء، إذ أُجبِرت الكثيرات منهن على الاحتماء من عدو صامت أصبحنا ندرك الآن أنه أقل فتكاً من أقرب أقربائهن، وكانت العديد من النساء ضحايا لما تسميه هيئة الأمم المتحدة للمرأة «جائحة الظل»، إذ عانين الضرب والاغتصاب، وتعرضن للشتائم والصدمات النفسية في مكان كان ينبغي أن يكون ملاذاً آمناً لهن من كارثة بيولوجية.

ويوثق أحد الإحصاءات الصاعقة لهذه الفترة عدد النساء اللواتي لم يعانين أو يشهدن أي عنف منزلي، امرأة واحدة من كل عشر نساء. نعم هذا صحيح. ففي ليبيريا، أبلغ واحد فقط من كل عشرة مشاركين في الاستطلاع عن عدم مشاهدته العنف أو ذلك القائم على النوع الاجتماعي، وأفاد اثنان فقط من كل عشرة بأنهما لم يعانيا هذا النوع من العنف أثناء الإغلاق المرتبط بـ(كوفيد 19).

وهناك علاقة عكسية واضحة بين التعليم وقابلية التعرض للعنف والعنف القائم على النوع الاجتماعي. والمجموعات الأقل تعليماً أكثر عرضة للخطر عموماً، لأنها غالباً ما تكون لديها فاعلية اقتصادية وسياسية ضعيفة، وتعاني نقصاً في الوصول إلى النظم الصحية التي يمكنها اكتشاف الأخطار ومعالجتها. وهؤلاء النساء يعانين وحدهن ولكن معاً؛ إذ يستمعن إلى صرخات بعضهن بعضاً عبر النوافذ والجدران.

وعلى الرغم مما نواجهه من عيوب هيكلية، فقد ارتقت النساء إلى مستوى التحدي. إذ في الحكومة، سرعان ما قمنا بوضع تدابير غير شعبية ولكنها فعالة بلا شك للحد من انتشار (كوفيد 19). إن رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، ليست سوى واحدة من بين العديد من القيادات النسائية التي مددت حدود البراعة والتصميم في ما يتعلق بإنقاذ حياة الناس.

واستفادت النظم الصحية أيضاً من قيادة المرأة، فقد ثابرت المديرة العامة لوكالة الخدمات العامة في ليبيريا، ماري بروه، بثبات وأنشأت أدوات تتبُّع على شبكة الإنترنت لتقييم حالات (كوفيد 19)، ورصد العلاجات واللقاحات والإمدادات؛ وأطلقت حملة تنظيف على مستوى المدينة في (مونروفيا) قبيل احتفالات البلاد بالذكرى المئوية الثانية.

لقد كسرت النساء الليبيرات البروتوكولات والتقاليد لإنقاذ أرواح الناس، وسد الفجوات بين الأنظمة العريقة واحتياجات اللحظة. وبينما ركز البعض الآخر على الوباء فقط، اتخذت القيادات النسائية زمام المبادرة لإنشاء مراكز لرعاية الأمومة في نقاط رعاية المصابين بـ (كوفيد 19)، ما قلل من وفيات الرضع، وحشدن أيضاً دعم المجتمعات الدينية لإنشاء مراكز اختبار، ما أدى إلى توسيع شبكة نقاط السيطرة على تفشي المرض.

إذا كنت امرأة تقرئين هذا المقال، فنحن نشجعك على ممارسة دور قيادي عام، بدءاً من مجتمعك. نحن نؤمن بك فالعالم لك وينتظر أن تفوزي فيه.

* حائزة جائزة نوبل للسلام، الرئيسة السابقة لجمهورية ليبيريا، مؤسسة مركز إيلين جونسون سيرليف الرئاسي للمرأة والتنمية.

** رئيس قسم تطوير الأسواق المالية في البنك المركزي الليبيري، زميل في برنامج أسواق رأس المال التابع للمؤسسة المالية الدولية: معهد ميلكن.

 

Email